السبت، 22 سبتمبر 2012

الفيلم المسئ للرسول الكريم


قامت الدنيا فجأة عندما قام شـخص يدعي أنه يمثل أقباط المهجر المصريين بإعلان أن أحد الأفلام المحتوية على مشـاهد مسـيئة لرسـول الله صلى الله عليه وسلم سـيعرض في دور سـينما الولايات المتحدة في ذكري 11 سـبتمبر ويحمل اسـما عن الإسـلام. الإشـارة واضحة وهي إلصاق شـئ ما متعلق بالإسـلام بالجريمة الإرهابية التي وقعت في ذلك التاريخ وتم إلصاقها إلى تنظيم القاعدة دون تحقيقات واضحة ثم تم إلصاق تهمة الإرهاب إلى المسـلمين جميعا ونعلم جميعا ما تبع ذلك من أحداث دمرت أفغانسـتان ودمرت العراق ونهبت آثاره وبتروله وثروات هائلة من دول الخليج ثمنا لهذه الحرب.
رغم وضوح المقصد اللئيم إلا أن أحد القنوات الفضائية "الإسـلامية" انبرت وعرضت مقاطع من الفيلم وكأنها بذلك تدافع عن الإسـلام وسـيرة الرسـول عليه الصلاة والسـلام. لم يكن من أنتج الفيلم يطمع في دعاية أكبر من هذه الحماقة فردود الأفعال الغاضبة فاقت رغبته في أثرها. عمت المظاهرات عددا كبيرا من الدول الإسـلامية وبعض الدول غير الإسـلامية التي بها جاليات مسـلمة مسـتاءة من محتوى الفيلم. إلا أن الأمر لم يقتصر على المظاهرات بل تطور بسـرعة إلى اشـتباكات أدت إلى إصابات وخسـائر مادية وبشـرية.
تزامن الغضب مع تربص جماعة مسـلحة بالسـفير الأمريكي في ليبيا وقتله بقاذفات مضادة للدبابات وتم دمج الاغتيال مع مظاهرات الاحتجاج أمام السـفارة الأمريكية في ليبيا ليصبحا حدثا واحدا.
تزايدت حدة الاشـتباكات خاصة في مصر رغم إصدار كافة الجهات المعنية بيانات اسـتنكار لمحتوى الفيلم بدءا من الجهات الرسـمية المصرية والأمريكية وحتى ممثلو أقباط المهجر وتفاصيل أخرى كثيرة بعضها مثير للسـخرية في دول كالسـودان وإيران. انتهى الأمر إلى إصابات واعتقالات وتشـويه حاد لصورة المسـلمين والإسـلام نفسـه لأسـباب عديدة.
رغم كل النتائج السـلبية قامت مجلة مغمورة فرنسـية بالإعلان عن اعتزامها نشـر رسـوم كرتونية تسـئ للرسـول عليه الصلاة والسـلام مسـتفزة المسـلمين مرة أخرى إلا أن ردود الأفعال جاءت أقل بكثير جدا من سـابقتها وظهرت احتجاجات منظمة هادئة ومنضبطة بلا تجاوزات ولا طيش ومر الأمر بسـلام سـواء في مصر أو السـودان أو غيرها.

الأسـئلة كثيرة وإجاباتها متشـابكة وتحتمل العديد من الأوجه.
1-               من الجهة الرسـمية منتجة الفيلم؟
2-               من المخرج ؟
3-            هل تم إنتاج الفيلم بتصاريح ومراجعة من جهات رسمية أمريكية مسئولة عن المحتوى؟
4-               هل تم فعلا عرض الفيلم في السـينما؟
5-               ما صلة ذلك الذي يدعي أنه يمثل أقباط المهجر بالفيلم؟
6-              من السـبب في انتشـار الفيلم الذي عرض أصلا في يوليو على الانترنت ولم يهتم به أحد؟
جميع هذه الأسـئلة ظهرت لها إجابات متعددة عبر وسـائل الإعلام الرسـمية والخاصة وتكونت صورة شـبه واضحة عن هذا الأمر ولكن يبقى سـؤالان في منتهى الأهمية لم يظهر لهما إجابة محددة:
أولا:    من المسـتفيد من كل هذا الاسـتفزاز المتعمد للمسـلمين؟
ثانيا:  لماذا اختلف رد الفعل كلية تجاه اسـتفزاز المجلة الفرنسـية رغم أنها نفس الإهانة وفي نفس التوقيت؟

أرى بعض الأفكار التي تؤدي بالقطع إلى الانغماس في نظرية المؤامرة ولكني سأذهب إلى أبعد منها بافتراضات قد يصيب بعضها وقد يخطئ ولكن لا بد من محاولة قراءة المشهد بعيدا عن الانفعال.

تقفز فورا إلى الأذهان الأحاديث المكررة والمبتذلة عن مخطط تقسـيم مصر ومحاولة ذلك الشخص المدعي تكوين مايشـبه الكيان القبطي الذي يهدف إلى تقسـيم مصر إلى دولة قبطية وأخرى إسـلامية مع تصريحات تنضح بالكراهية والغل وحب الظهور والتعطش للسـلطة وطلبه من الولايات المتحدة احتلال مصر لما أسـماه "إنقاذ الأقباط المضطهدين في مصر من بطش المسـلمين". ورغم أن هناك بالفعل تصرفات سـيئة لا تمت للإسـلام بصلة توجه ضد بعض الأقباط في بعض الأحداث السـيئة إلا أنها تنتج عن ضعف الأمن أو انعدامه ولجوء الأهالي إلى حلول قبلية جاهلية يتم حشـر رموز الدين فيها حشـرا لإضفاء شـكل ما من الشـرعية عليها إلا أنها لا تمثل اتجاها عاما لاضطهاد المسـلمين للأقباط بل هي تجاوزات وجرائم ينبغي أن يسـود فيها القانون وليس جلسـات الصلح الظالمة والمسـيئة للإسـلام نفسـه قبل الأقباط.
قد يرى الكثيرون - وهم محقون- أن هذا الفيلم هو جزء من خطة ذلك الشـخص وأعوانه لإثارة الفتن التي تؤدي إلى أحداث عنف ضد الأقباط لمحاولة إيجاد ما يؤيد ادعاءاته. إلا أن الأمر قد يتجاوز لأبعد من هذه الحدود.
لكي نعثر على المسـتفيد يجب أن نحدد مصدر التمويل ولا أعني هنا تمويل إنتاج هذا الفيلم الهزيل بل ما يسـتتبع ردود أفعال نشـر هذا الفيلم الفاشـل والتافه.
لا أرى توجها حقيقيا ولا جزئيا للسـعي إلى تقسـيم مصر. ولا أظن أن هناك أي جهة أو منظمة تسـعي فعلا لاتخاذ أي خطوة أو أي تحرك بدعوى منع اضطهاد معين يقع على أقباط مصر ولا حتى تركيزا على هذا الموضوع إلا من فئة أمثال ذلك المدعي.
إذن الأمر كله ضجة إعلامية قد يذهب ضحيتها بعض المصابين أو حتى الوفيات وبعض الخسـائر المادية دون هدف واضح. فلماذا لا يكون الهدف أصلا أمرا مختلفا تماما عن التقسـيم والفتنة الطائفية؟
قد يكون الفيلم المسـئ للرسـول عليه الصلاة والسـلام أحد الوسـائل التي تبرر منفعة ما وليسـت بالضرورة احتلال مصر وتقسـيمها بل قد تكون مجرد أموال. ينبغي أن نتذكر أن جورج بوش الابن اعتمد في أول شـهر بعد كارثة سـبتمبر 400 مليار دولار كميزانية للحرب على ما أسـماه "الإرهاب" وتزايدت التكاليف إلى أكثر من 2 تريليون دولار واتضح لاحقا أن الهدف ليس حربا على إرهاب ولا إقامة الديموقراطية بل كان نهبا للبترول والثروات الطبيعية وللثروة الأمريكية نفسـها عبر تمويل صناعة السـلاح.
يشـتهر الحزب الجمهوري الأمريكي بتوجهاته الحادة وميوله العدوانية لشـن الحروب والهجمات الاسـتباقية بدعوى حماية المصالح الأمريكية ويعرف بكثرة عدد الصقور فيه. من السـهل على بعض هؤلاء الصقور أن يعدوا فيلما تافها كهذا ويسـتغلوا بعض الأشـخاص الممتلئين كراهية وشـوقا للسـلطة ولو عن طريق خيانة الوطن لإحداث سـلسـلة من ردود الأفعال الغاضبة التي تعيد لأذهان الشـعب الأمريكي الذكريات الأليمة لأحداث سـبتمبر وتعيد تكوين صورة المسـلم الإرهابي الذي لا يفكر إلا في القتل والعدوان وبتمويل بعض العناصر يمكن دفع الأمور للانفجار وإحداث بعض الخسـائر البشـرية والمادية التي تؤيد هذه الصورة المغلوطة. هذا الضغط قد يمكنهم من تحقيق الفوز لمرشـحهم رومني مقابل الرئيس الحالي أوباما وقد يكون أثره المادي كافيا.
لكي ينجح مخطط كهذا ينبغي أن يتم تمويل من ينفخ في نار هذه الفتنة من العملاء الموالين للمخابرات الأمريكية وهؤلاء قد يكونوا إعلاميين يتخيلون أنهم يدافعون عن الدين وقد يكونوا مدركين أنهم يزرعون الفتنة غير مبالين بمن يذهب ضحيتها. يظهر في الصورة شـيخ يمزق الإنجيل ويهدد بتدنيسـه ردا على إسـاءات الفيلم. يظهر إعلاميون لا هم لهم إلا زيادة الاحتقان في الفضائيات وعلى الصحف الورقية والالكترونية كما تظهر أعداد من الشـباب منهم الغاضب بسـبب الفيلم ومنهم من أصيب بالإحباط من تدهور أحوال المعيشـة والبطالة والغلاء ومنهم من أراد الانتقام من الأمن المركزي عدوه التقليدي في كل مظاهرة أو مسـيرة.
لماذا لا تكون احدى إدارات المخابرات الأمريكية هي التي أنتجت هذا الفيلم كمشـروع لإثارة البلبلة بهدف تخويف الرأي العام الأمريكي الأمر الذي يتبعه اعتماد ميزانية ضخمة للمخابرات لتمويل مشـروعاتهم لرقابة "الإرهاب الجديد"؟؟؟ هذه الميزانيات تكون مبالغ هائلة تنفق بشـتى الأسـاليب ويراقبها أعضاء كبار في الكونجرس قد يكونوا هم أنفسـهم سـبب الأزمة وقد يكونوا المسـتفيدين ماديا من طرق إنفاقها بشـكل وهمي.
لم يحدث أي من كل هذا أمام السـفارة الفرنسـية رغم أنها نفس الإسـاءة ورغم أن تأمينها أضعف من الأمريكية بل ظهرت مجموعات شبابية وشيوخ يقفون باحترام ويعربون عن اسـتيائهم بطريقة حضارية ودون اشـتباكات أو حتى حرق العلم الفرنسـي كما حدث مع العلم الأمريكي. هل لأن المخابرات الفرنسـية لا تمول التظاهرات؟ هل لأن هؤلاء الإعلاميون لن ينالوا الشـهرة إلا إذا هاجموا الحكومة الأمريكية؟ أم أنه حب الظهور والاسـتعراض في مشـهد تمثيلي تحت الأضواء حول السـفارة الأمريكية ويغيب عن السـفارة الفرنسـية لقلة الاهتمام الإعلامي؟؟؟ هل إهانة الرسـول عليه الصلاة والسـلام لا تثير الغضب الشـديد إلا أمام الأضواء والإعلام الأمريكي؟ أم أن تهويل الأمر واسـتغلاله صادف هوى من يريد الظهور كمدافع عن الإسـلام ليتمكن هو الآخر من تمرير أمور تخدم مصالحه كدسـتور معيب أو مشروعات اقتصادية لا يلتفت إليها في توتر الأحداث أو مكاسـب سـياسـية مخادعة للمواطن البسـيط الذي قد تختلط عليه –مجددا- صورة من يخدم الوطن مع من يدعي حماية الدين.
لا يوجد في السـياسـة والأعمال الدنيئة المرتبطة بها ما هو مسـتبعد والأمثلة عبر التاريخ كثيرة لا حصر لها.

الثلاثاء، 12 يونيو 2012

نافذة المستشفى

في أحد المستشفيات كان هناك مريضان هرمان في غرفة واحدة. كلاهما معه مرض عضال. أحدهما كان مسموحاً له بالجلوس في سريره لمدة ساعة يوميا بعد العصر. ولحسن حظه فقد كان سريره بجانب النافذة الوحيدة في الغرفة. أما الآخر فكان عليه أن يبقى مستلقياً على ظهره طوال الوقت ..


كان المريضان يقضيان وقتهما في الكلام ، دون أن يرى أحدهما الآخر، لأن كلاً منهما كان مستلقياً على ظهره ناظراً إلى السقف. تحدثا عن أهليهما ، وعن بيتيهما ، وعن حياتهما ، وعن كل شيء ..


- وفي كل يوم بعد العصر، كان الأول يجلس في سريره حسب أوامر الطبيب، وينظر في النافذة، ويصف لصاحبه العالم الخارجي. وكان الآخر ينتظر هذه الساعة كما ينتظرها الأول، لأنها تجعل حياته مفعمة بالحيوية وهو يستمع لوصف صاحبه للحياة في الخارج ..
ففي الحديقة كان هناك بحيرة كبيرة يسبح فيها البط. والأولاد صنعوا زوارق من مواد مختلفة وأخذوا يلعبون فيها داخل الماء. وهناك رجل يؤجِّر المراكب الصغيرة للناس يبحرون بها في البحيرة. والجميع يتمشى حول حافة البحيرة. وهناك آخرون جلسوا في ظلال الأشجار أو بجانب الزهور ذات الألوان الجذابة. ومنظر السماء كان بديعاً يسر الناظرين ..
- وفيما يقوم الأول بعملية الوصف هذه ينصت الآخر في ذهول لهذا الوصف الدقيق الرائع. ثم يغمض عينيه ويبدأ في تصور ذلك المنظر البديع للحياة خارج المستشفى ..
- وفي أحد الأيام وصف له عرضاً عسكرياً. ورغم أنه لم يسمع عزف الفرقة الموسيقية إلا أنه كان يراها بعيني عقله من خلال وصف صاحبه لها ..
- ومرت الأيام والأسابيع وكل منهما سعيد بصاحبه. وفي أحد الأيام جاءت الممرضة صباحاً لخدمتهما كعادتها، فوجدت المريض الذي بجانب النافذة قد قضى نحبه خلال الليل. ولم يعلم الآخر بوفاته إلا من خلال حديث الممرضة عبر الهاتف وهي تطلب المساعدة لإخراجه من الغرفة. فحزن على صاحبه أشد الحزن.

- وعندما وجد الفرصة مناسبة طلب من الممرضة أن تنقل سريره إلى جانب النافذة. ولما لم يكن هناك مانع فقد أجابت طلبه. ولما حانت ساعة بعد العصر وتذكر الحديث الشيق الذي كان يتحفه به صاحبه انتحب لفقده. ولكنه قرر أن يحاول الجلوس ليعوض ما فاته في هذه الساعة. وتحامل على نفسه وهو يتألم، ورفع رأسه رويداً رويداً مستعيناً بذراعيه، ثم اتكأ على أحد مرفقيه وأدار وجهه ببطء شديد تجاه النافذة لينظر العالم الخارجي. وهنا كانت المفاجأة!!. لم ير أمامه إلا جداراً أصم من جدران المستشفى، فقد كانت النافذة على ساحة داخلية.
- نادى الممرضة وسألها إن كانت هذه هي النافذة التي كان صاحبه ينظر من خلالها، فأجابت إنها هي!! فالغرفة ليس فيها سوى نافذة واحدة. ثم سألته عن سبب تعجبه، فقص عليها ما كان يرى صاحبه عبر النافذة وما كان يصفه له.
- كان تعجب الممرضة أكبر، إذ قالت له: ولكن المتوفى كان أعمى، ولم يكن يرى حتى هذا الجدار الأصم..!!! ولعله أراد أن يجعل حياتك سعيدة حتى لا تُصاب باليأس فتتمنى الموت.
* * *
* ألست تـُسعد إذا جعلت الآخرين سعداء؟
- إذا جعلت الناس سعداء فستتضاعـف سعادتك، ولكن إذا وزعـت الأسى عـليهم فسيزداد حزنك.
- إن الناس في الغالب ينسون ما تقول، وفي الغالب ينسون ما تفعل، ولكنهم لن ينسوا أبداً الشعور الذي أصابهم من قِبلك. فهل ستجعلهم يشعرون بالسعادة أم غير ذلك. - وليكن شعارنا جميعا وصية الله التي وردت في القرآن الكريم: ( وقولوا للناس حسناً ).





(منقول)

الاثنين، 14 مايو 2012

البرامج الانتخابية والمصالح

تقدم كل مرشـح من مرشـحي الرئاسـة الثلاثة عشـر ببرنامجه وتنافسـت الفضائيات في حصد أكبر حصة من دخل الإعلانات التي تتخلل شــرح هذه البرامج الانتخابية. هبطت علينا فجأة فكرة جهنمية لزيادة دخل القنوات وهي المناظرات. ورغم أن المناظرات يتم عقدها في المرحلة الثانية من الانتخابات حيث يكون هناك تنافســا بين اثنين فقط من المرشــحين إلا أنها فرصة لا تعوض لاســتغلال الظروف لتحقيق أكبر قدر من الدخل واختيار أكثر المرشـحين إثارة للجدل وشــعبية اسـتنادا على اســتطلاعات رأي هزيلة وفاشــلة وغير موضوعية ويتم إجراء المناظرات بلا احترافية ولا خبرة ولا تحضير متقن ســوى الخبرة في برامج المســابقات الرهانية من نوعية من ســيربح المليون.

وسـط كل هذا التنافس الإعلامي تحول تأييد كل مرشــح إلى ما يشــبه تشــجيع فريق كرة قدم فلا يهتم مؤيد المرشــح الفلاني بأي شـئ سـوى البحث عن كل ما يعتبر نقطة قوة لصالح مرشــحه المفضل وإبراز أي نقطة ضعف أو زلة لسـان لدى منافسـه و"تجريسـه" بها كأنها إصابة في مقتل تضمن لمرشــحه الرئاســة وغفل أغلب المتابعين المتعصبين عن البرامج نفســها وحقيقة ما وراءها وكيفية تطبيقها.

ورغم أن كل من يريد تغييرا حقيقيا في بلدنا يعلم أن أساس مشــكلاتنا هو الحكم العســكري إلا أن أغلبنا يحاول أن يبعد هذه الفكرة عن عقله محاولا التشبث بأمل في أن يحقق مرشحه المعادلة التي تخلصه من هذا النوع البغيض من الحكم بانتخابات تجري تحت سـيطرة عسـكرية كاملة. أما من يجادلون بأن الحكم العســكري ســينتهي بمجرد تسـليم الســلطة إلى الرئيس المنتخب فهم يبالغون في طموحاتهم وآمالهم إلى درجة مثيرة للشــفقة فالحكم العســكري لا يعني أن يكون الرئيس مرتديا للبذلة العســكرية والنياشــين وإنما يعني في الأســاس تدخل الســلطة العســكرية والقيادات العســكرية في كل المراكز والمواقع والمناصب الحيوية في البلاد بحيث يتم فرض تبعية القيادات للقائد العام للجيش حتى لو لم يكن هناك ثمة تسـلسـلا وظيفيا مباشـرا يوضح عدم اسـتقلال القرار، فرؤسـاء الأحياء والمحافظون ورؤسـاء مجالس إدارات الشـركات الكبرى والهيئات الحيوية والصناعات الاسـتراتيجية والإدارات يتم تعيينهم من الرتب العسـكرية بعد سـن التقاعد ويتم تعليل ذلك بأنهم أكثر كفاءة من غيرهم لأنهم سـبق لهم قيادة مؤسـسـات عسـكرية وكأن الكفاءة احتكار للمؤسـسـات العسـكرية والعاملين بها وكأن المؤسـسـات المدنية لا تقدم خبرات أو قدرات تنهض بالبلاد كالعسـكريين. الواقع هو أن اختيار هؤلاء للمناصب الهامة يكون مبنيا على الثقة لا الكفاءة وعلى الانصياع للأوامر الغير مباشــرة –أو المباشـرة أحيانا- التي تصدر من قيادة القوات المسـلحة دون نقاش أو جدال أو حتى تفكير.

        أمام بعض البرامج الانتخابية التي تم طرحها من بعض المرشــحين انفجر بعض المشـاهدين سـخرية و تهكما عندما صرح بعضهم بأنهم يفضلون شـخصا مدنيا أو امرأة لمنصب وزير الدفاع وكان السـبب المباشـر للسـخرية هو الخلط الواضح والجهل الشـديد بوظائف ومسـئوليات وزير الدفاع فيتصوره الكثير هو نفسـه القائد العام الذي يصدر الأوامر العسـكرية الصارمة ويتفقد ميدان التدريبات والمعركة ويشـد من أزر القادة والجنود ويسـتنكر المشـاهد وجود امرأة وسـط هذا المشـهد الذكوري ويحكم عليها فورا بالضعف وانعدام الكفاءة لأنها امرأة في مجتمع شـرقي محافظ كما يسـتنكر وجود وزير مدني في الموقع على اعتبار أنه لا يفقه شـيئا في المجهود الهائل المطلوب للقيادة ولا يعرف تفاصيل الخطط والمشـاريع العسـكرية وعلى اعتبار أنه ضعيف و"طري" وليس صلبا كالعسـكريين. 
       نسـي السـاخرون أن وظيفة وزير الدفاع لا ترتبط مباشـرة بالجيش نفسه وإنما بالرؤية السـياسـية لرئيس الجمهورية تجاه المؤسـسـة العسـكرية ومنهجه الخاص في إدارة هذه المؤسـسـة أما فيما يتعلق بالفنيات فمن الطبيعي والمسـلم به أن يكون القائد العام للقوات المسـلحة هو المسـئول تماما عن كل ما يتعلق بالجيش ونظامه ولا علاقة له بالسـياسـة والبرامج السـياسـية وهو الشـخص الذي يراه الشـعب رمزا لقيادة التدريبات والمعارك ومطلوب فيه الصرامة العسـكرية والانضباط مع قوة الشـخصية وهي صفات يندر توافرها في أي مدني أو امرأة في مجتمعنا على الأقل ولا يتقبلها الشـعب عموما حتى إن توافرت.

يواجه كل مرشـح معضلة الإعلام الذي يسـتغله أســوأ اســتغلال لتحقيق أقصى ربح ممكن من تســويقه للناخبين وتســويق الإعلانات أثناء شــرح برنامجه مع التوجهات الســياســية الخاصة لكل قناة فضائية والتي لا يمكن وصفها بالحياد مهما ادعت ذلك.

كما يواجه أيضا كل مرشــح معضلة أخرى وهي كيفية التعامل مع الاقتصاد المفتت. الصراع الاقتصادي هو دائما جوهر الصراع الســياســي والاجتماعي والمرشــح الرئاســي يواجه تواجد دويلات اقتصادية مستقلة وكيانات متعددة لا ترغب في أن يتم المســاس بمصادر دخلها واقتصادها الذي لا علاقة له بدخل الدولة و هذه الكيانات تختلف فيما بينها ولكنها تجتمع على استقلالها ومنها:

القوات المســلحة:
أنشــأت القوات المســلحة عددا كبيرا من المصانع والأنشــطة الزراعية والاقتصادية المتنوعة وتوســعت في تلك الأنشــطة حتى محطات البنزين ومصانع المنتجات الغذائية كالمكرونة وغيرها. لا يوجد مانع من امتلاك القوات المســلحة لمثل هذه الأنشــطة ولكن اســتقلال موازنات هذه الأنشــطة وجهات إنفاق أرباحها تبقى ســرية ولاتدخل في موازنة الدولة ولا تخضع للضرائب.

الجمعيات الخيرية الإسلامية:
عندما بلغت الرعاية الصحية في المســتشــفيات الحكومية مســتوى مترديا بدأت الجمعيات الخيرية الإســلامية في إنشــاء مســتوصفات ملحقة بالمســاجد تقدم خدمات طبية متنوعة من كشــف إلى تحاليل بأســعار زهيدة نســبيا تكون في متناول المواطن الذي لا تســمح إمكانياته بالحصول على خدمة طبية حقيقية بالأســعار الهائلة في المســتشــفيات الخاصة ولا يتحمل الإهمال والضعف الشــديد في الإمكانيات في المســتشــفيات الحكومية ويخشــى على صحته وصحة أســرته كما أتاحت للأطباء فرصا للعمل بعيدا عن المحســوبيات المقدمة لأبناء أســاتذة الجامعات في التعيين فازدهر نشــاط هذه المســتوصفات كما ألحق بأغلبها صيدليات تقدم الدواء بنفس تســعيرة الدواء لكنها كانت تحصل على خصم خاص يصل إلى 7% بالإضافة إلى الإعفاء الكامل من الضرائب. ازدهرت هذه الأنشــطة الصحية وتطورت إلى أنشــطة كبرى متنوعة ملحقة بالجمعيات الخيرية الإســلامية وأصبحت تدر دخلا هائلا بعيدا عن الضرائب تماما لأنه يحظى بإعفاء الجمعيات الخيرية.

الجمعيات الخيرية القبطية:
بعد التوســع في أنشــطة الجمعيات الخيرية الإســلامية أدركت الجمعيات الخيرية القبطية مدى الربحية المتاح من إعفاءات الضرائب فتحولت المساحات المحيطة بالأديرة من أراض ملحقة بدور للعبادة والنســك إلى مصانع ومزارع حيوانية ومزارع ســمكية وتضخمت مســاحات الأديرة بشــكل هائل عن طريق ضم مســاحات كبيرة مجاورة للأديرة وبالتعاون مع بعض رجال الأعمال الأقباط تم إنشــاء البنية الأســاســية لهذه الأنشــطة الإنتاجية وأصبحت توفر العديد من المنتجات منخفضة الثمن للأقباط وأحيانا تطرح في السوق لكافة المواطنين مســتفيدة من الإعفاء الضريبي لأنها أنشــطة تتبع الجمعيات الخيرية.

الأنشــطة التعليمية:
تحول التعليم خلال حكم المخلوع إلى اســتثمار وتجارة بحتة وتخلى العديد من أصحاب الجامعات والمعاهد والمدارس الخاصة عن الاهتمام بالرســالة التعليمية الأســاســية نظرا لضعف إمكانيات الرقابة على التعليم والفســاد الذي تغلغل في الحكومات المتعاقبة فأصبح إنشــاء نشــاط تعليمي فرصة لجذب أموال طائلة معفاة تماما من الضرائب دون تقديم خدمات حقيقية أو تعليم هادف في كثير من الحالات وأصبحت القلة فقط من أصحاب هذه الأنشطة من أصحاب الضمائر.

باختصار أنشــأت كيانات المجتمع الاقتصادية الكبرى دولتها المســتقلة داخل الدولة واســتفادت من إعفائها من الضرائب و قامت بتنمية مشــروعاتها الخاصة بســبب الفشــل الحكومي المتراكم الذي دفع كل كيان لأن يطور نفســه دون اكتراث بغيره ، ومع ســياســة الخصخصة لم يعد للدولة مصادر دخل حقيقية فقد تم بيع شــركات الأســمنت والحديد والنســيج والمحالج والمطاحن والحاصلات الزراعية والأخشاب والمتاجر الكبرى وغيرهم ولم يتبق للدولة مصادر دخل ثابتة ســوى قناة الســويس والضرائب والجمارك وعدد قليل من الأنشــطة الصناعية والزراعية.

من الذي تبقى ليدفع الضرائب إذا؟ إنها الطبقة المتوســطة من أصحاب المحال والشــركات الصغيرة والمتوســطة الذين يقومون بســداد ضرائبهم بانتظام ثم يفاجأون عند الفحص الضريبي بإهدار مســتنداتهم والتقديرات الجزافية الخرافية ومطالبات بالملايين رغم صدور قانون 2005 للضرائب إلا أنه قانون خبيث به ثغرات تجعله لا يختلف كثيرا عن القانون الســابق له الأمر الذي لا يجعل المســتثمر الصغير ينجو بنشــاطه إلا بدفع الرشـوة أو الســعي لســنوات طويلة بين دهاليز المحاكم حتى يســدد تقريبا ضعفي ما كان يجب أن يســدده –إذا لم يتم الحجز على ممتلكاته وبيعها.

كل مرشــح للرئاســة ســيواجه صعوبات حقيقية إذا حاول المســاس بأي من هذه الأنشــطة فالقوات المســلحة أعلنت صراحة أنها "ســتقاتل من أجل عرقها" أما الجمعيات الإســلامية والقبطية فلا أعتقد أنها ســتتخذ موقفا أقل حدة من ذلك ونفس الأمر في الأنشــطة التعليمية. كل هذه الأنشــطة لا تريد أن تطالها الضرائب لأنها تتمتع بأرباح صافية وأغلبها يتصرف في دخله بشــكل ســري وخاصة القوات المســلحة. حتى القطاع الذي يخضع للضرائب يقع تحت ظلم هائل يجعله مدفوعا في النهاية –في كثير من الحالات- إلى التهرب الضريبي أو إلى تصفية أعماله و الرحيل تماما عن البلاد أو وضع أمواله الســائلة في أحد البنوك والاكتفــاء بالعائد الشــهري الذي يزيد –غالبا- عن القيمة المتبقية بعد دفع ضرائبه والإتاوات والرشــوة المطلوبة لتســيير أعماله.

لا أنتظر الكثير من أي مرشــح إذا لم يعلن صراحة عما ســيفعله إزاء هذا الاقتصاد المفتت وشــبكة المصالح الأنانية لدى كل كيان اقتصادي يعتبر نفســه دولة داخل الدولة ولا أتصور أن أي مرشــح ســيواجه توحيد اقتصاد الدولة دون أن يواجه حربا شــرســة وضغوطا قوية من جميع الكيانات التي تقاوم هذا التوجه والإبقاء على أي منها مســتقلا عن الدولة ســيترجم على أنه صفقة أو خوف من هذا الكيان الاقتصادي.

الخميس، 22 مارس 2012

الإخوان وخطة الاستمرار في الحكم

       تم إجــراء الانتخابـات البرلمانيــة وحصل الإخوان المســلمون على حوالـي 40% من كراسـي مجلس الشـعب كما شـاركهم حزب النور السـلفي في نسـبة حوالي الربع في المجلس. كان من المتوقع حصول الإخوان على نسـبة كبيرة من المقاعد وتفسـيرات ذلك التوقع عديـدة وعلى رأســها:

1-      الإخوان فصيل سياسي يمارس السياسة منذ عقود والجماعة مبنية أصلا على تكوين هرمي منظم له مجلس تشريعي (مجلس شورى الجماعة) و حكومة أو سلطة تنفيذية (مكتب الإرشاد) ولهم خبرات طويلة جدا في كيفية خوض العملية الانتخابية.

2-      تمويل الإخوان هائل ومتعدد المصادر كتبرعات الأعضاء واستغلال هذه الأموال في دول الخليج في البورصة ومشاريع متنوعة و تبرعات أثرياء الجماعة في  الداخل والخارج مثل خيرت الشاطر ويوسف ندا ومنها أيضا تبرعات قد تفوق كل التوقعات تأتي من أمراء وأثرياء دول الخليج..وجدير بالذكر أن هؤلاء لا يقدمون هذا الدعم مجانا ! قوة التمويل الهائلة تؤدي إلى سيطرة على الإعلام وانتشار كبير وسريع للافتات الانتخابية كما يسهل عملية شراء الأصوات بشكل مباشر أوغير مباشر سواء كان بتقديم خدمات مخفضة الثمن أو تقديم سلع تموينية رخيصة وما إلى ذلك الأمر الذي يؤدي إلى عجز أي فصيل آخر عن المنافسة وفي النهاية يتجه المواطن البسيط إلى من يدعمه في ظل الظروف الاقتصادية السيئة منذ سنوات.

3-      اللعب على وتر التدين عامل مؤثر جدا خاصة عندما تسوء الأحوال الاقتصادية فالمواطن قليل الحيلة يلجأ إلى ربه وعندما يجد في المساجد من يخاطبه من منطلق الدين و يخبره بأنه يريد أن يساعده في أزمته الاقتصادية بأسلوب يرضي الله ويقنعه أن اختياره للإخوان هو نصرة للحق ومساهمة منه في التخلص من العصابة الحاكمة التي لا تتقي الله فيه وإحلالها بجماعة متدينة كفيلة برفع الظلم عنه فإنه يمنحهم صوته لأنهم ببساطة "ناس بتوع ربنا"

4-      على مدى عقود كانت أنشطة الإخوان المسلمين مركزة على أنشطة خيرية ومجتمعية تخدم المواطن البسيط وجمعيات متنوعة تدعم الفقراء والمحتاجين والأرامل والأيتام وغيرها من الأعمال التي تمس الحياة اليومية للغالبية الفقيرة من الشعب. هذه الأنشطة أعطت انطباعا قويا أن الجماعة إن وصلت إلى الحكم فسوف تكون تكرارا للدعم الذي يصل إلى المواطن على نطاق واسع بينما لم يهتم المواطن البسيط بالحركات السياسية الأخرى التي تفتقر إلى الدعم المالي الهائل المتوفر لدى الإخوان كما أن هذه الحركات كانت تناقش أمورا سياسية يتجنبها المواطن أصلا بسبب القمع الأمني الشرس وبسبب انشغاله بالسعي لجمع قوت يومه وبسبب الجهل السياسي والتجهيل المتعمد من النظام السابق الذي حرص على حجب الثقافة السياسية ومنع الممارسة السياسية ليستحوذ تماما على الحكم ويتمكن من استغلال ثروات البلاد كما يحلو له.

5-      خبرة الإخوان الطويلة في عقد الصفقات برزت في مواقف كثيرة منذ عهد الاحتلال الانجليزي والوفد القديم والسادات وحتى في عهد مبارك ومثال ذلك في 2005 عندما صرح المرشد السابق مهدي عاكف بعقد صفقة مع مبارك للفوز بربع مقاعد البرلمان رغم إنكار الجماعة ذلك في البداية وتتضح كل يوم منذ خلع مبارك في صفقة مشبوهة مع المجلس العسكري تشير إليها كل مواقفهم رغم إنكارهم المستمر –كالعادة..

      كل هذه العوامل أدت إلى وصول الإخوان إلى الأغلبية في البرلمان ولكن الوصول إلى قمة الجبل قد يكون سهلا بينما يصعب الاستمرار على هذه القمة إلا إذا توافرت عدة عوامل هامة.

       لكي تكتمل السيطرة على الحكم (التمكين) لا يكفي البرلمان بل يجب الاستحواذ على السلطة التنفيذية (الحكومة) ويجب إخماد أي حركات احتجاجية قد تنشأ عند انتباه أي فصيل معارض أو منافس للإخوان في هذه السيطرة عن طريق السيطرة على النقابات (وهو ما استمر الترتيب لعقود) والمحليات وكرسي الرئاسة والإعلام واتحادات الطلاب.

       الاستمرار في حصد الأغلبية يستلزم الحفاظ بقوة على العوامل التي أدت إلى حصدها وأهم عامل من هذه العوامل هو الدستور الجديد. شكل الدستور يحدد الشكل السياسي للدولة ويؤثر بشكل مباشر وبقوة على مستقبل حصد هذه الأغلبية وقدرتهم على السيطرة على مجريات الأمور بما يضمن استمرارهم في السلطة.

       الدستور الذي يسعى إليه الإخوان بكل قوة و من أول لحظة هو الدستور البرلماني الخالص والذي يهمش تماما دور رئيس الجمهورية ويجعل السلطة الهائلة في إدارة شئون البلاد في يد رئيس الوزراء الذي يشكل الحكومة وتكون هذه الحكومة من الحزب الذي يحصل على الأغلبية البرلمانية أو تكون حكومة ائتلافية من عدد من الأحزاب تشكل في مجموعها أغلبية برلمانية وهذا أحد الأسباب الرئيسية في إعلان الإخوان عدم نيتهم تقديم أي مرشح لرئاسة الجمهورية لأنهم أصلا لا يريدون أن يكون هناك سلطة تذكر لمنصب الرئيس (فلديهم 32 وزير رئيس) وبالتالي لا يهمهم كثيرا من يكون وهو أيضا أحد أهم الأسباب التي أدت إلى خلاف حاد مع د.عبد المنعم ابوالفتوح أدى إلى فصله من الجماعة رغم أنه من فكرهم قلبا وقالبا إلا أنه بترشـحه للرئاسـة يزلزل الشكل الذي تريده الجماعة و يفتت السلطة الكاملة التي يريدون الحصول عليها.

         الاستمرار في السيطرة على الحكم يتطلب عدة أمور تهم الإخوان –ومعهم إلى حد ما السلفيين – أهمها:

-        السيطرة على لجنة إعداد الدستور والتحكم بشكل شبه كامل في معايير اختيار أعضائها بحيث يكون التوجه الفكري لهؤلاء الأعضاء يصب في مصلحة الإخوان من ناحية القبول بدستور برلماني صرف يجعل كل الصلاحيات في يد أعضاء البرلمان ويهمش تماما دور رئيس الجمهورية.

-        الإسراع في إصدار تشريعات وقوانين تمنع أي موجات احتجاجية قد تخرج من الشارع وتجرم أي اعتراضات بنفس الحجج التي كان يستخدمها نظام مبارك القمعي كتعطيل عجلة الإنتاج وإشاعة الفوضى والتخريب وغيرها للانفراد بالرأي وتشكيل الدستور كما يريدون دون فرصة للاعتراض ومقابلة الاعتراضات بالقمع من حبس وغرامات ومثال ذلك قوانين حد الحرابة وتجريم المظاهرات دون إخطار وإعلان بالصحف.

-        الســيطرة الإعلامية عبر القنوات الفضائية الدينية والجرائد التي تصدرها الأحزاب الدينية ومن خلال خطب الجمعـة في المســاجد والدروس الدينيـة لتوجيـه الفكر العــام نحو قبول الدســتور الجديـد وصبغ هذا التوجه بصبغة دينية مع تصوير أي معارض على أنه معارض لتطبيق شرع الله و وصمه بالنفاق أو الكفر أو الإلحاد والاسـتشـهاد بكل الأحاديث النبوية والآيات القرآنية التي تصف سـلوك المنافقين والمشركين والكفار واستغلالها في الخطاب الديني السياسي ليتم الالتباس على عقل المتلقي بحيث تختلط صورة المعارض مع كاره الدين والتدين فيتوقف عن التفكير في ما وراء الخطاب ويلتزم بقبول كل ما يملى عليه ويتم توجيه إرادته.

-        الحرص على تجنب نشر الثقافة السياسية ومهاجمة الأساليب التعليمية الحديثة وقصر المناهج التعليمية على كل ما يتعلق بطاعة ولي الأمر وعلماء الدين واستخدام خطاب مشابه لخطاب السبعينات الذي يعظم العلوم الشرعية ويقلل من أهمية العلوم الدنيوية ويبدأ ذلك بتجنب تعليم اللغة الانجليزية مبكرا حتى يصعب استيعاب الثقافة الغربية وتتجه الأجيال القادمة نحو ما يتم إملاؤه من الحكومة التي تنبثق من البرلمان المسيطر.

-        تصوير النظام الرئاسي باستمرار على أنه هو سبب كل مشاكل البلاد وأنه يؤدي إلى إنتاج فرعون جديد رغم أن النظام الأمريكي -مثلا- رئاسي ولم يحدث قط أن تحكم أي رئيس أمريكي في بلده كفرعون وسبب ذلك ببساطة أن النظام المباركي لم يكن رئاسيا وإنما تم تشويه الدستور في عهده عن طريق ترزية القوانين وتفصيله على مقاسه حتى يتمكن من السيطرة على كل السلطات ثم تبع ذلك تفصيل الدستور للتوريث.

-        تصوير النموذج التركي على أنه خير نموذج يحتذى به وكأنه منزل في القرآن وزعم أنه بداية عودة الخلافة رغم أن الخلافة الإسلامية كانت في بدايتها نظاما رئاسيا يستشير فيه الحاكم الفردي مجلس الشورى الذي يختاره بنفسه ولكن ليس لهم أن يغيروا قرار الخليفة ثم تحول النظام إلى ملكي خالص أي أن النظام البرلماني ليس له أسس ينبغي اتباعها وإنما كل مجتمع يختار ما يتراءى له ويرى أن فيه صلاحه ويقيم حكمه بناء عليه. يتضح ذلك التوجه بقوة عند زيارة أردوغان لمصر واستقباله كأنه الخليفة المنتظر وبمجرد تعليقه على النظام الحاكم ونصحه بالعلمانية هوجم و وصفت تصريحاته بأنها تدخل في الشأن الداخلي لمصر.

-        اختراق ومحاولة السيطرة على النقابات المهنية والعمالية واتحادات الطلاب في الجامعات يشكل خط دفاع أول يمنع أي تكوين لجبهة مضادة لسيطرة الإخوان لأن الحركات الثورية دائما تنطلق من النقابات والجامعات.

-        استمرار السيطرة في النظام البرلماني مستمد من استمرار حصد الأغلبية البرلمانية وذلك يتم تحقيقه باسم الدين وعن طريق الخدمات الاجتماعية والتموينية وهو ما ينطلي على المواطن البسيط والفقير لذلك يجب الحفاظ على جهل المواطن السياسي واستمرار اعتماده على الدعم الذي يصله من الجمعيات الخيرية واحتياجه المستمر لهذا الدعم وأي توجه لتحقيق شفافية حقيقية يمثل تهديدا لأسس السيطرة على الحكم.

يتبقى لتحقيق السيطرة الفعلية على الحكم تحديد كيفية التعامل مع أقوى كيان في الدولة وهو القوات المسلحة بقوتها الاقتصادية والعسكرية والمخابراتية وهي الكيان الذي لا يمكن للإخوان ولا السلفيين اختراقه بل يتم التخطيط لتحقيق شكل من التوازن في السلطة يضمن عدم الصدام مع القوات المسلحة وفي نفس الوقت محاولة الاستحواذ على أكبر قدر ممكن من السلطة من ميراث نظام مبارك وفي هذا الصراع لا يوجد لرأي الشعب قيمة إذا تم تمرير الدستور متضمنا المواد المطلوبة لحماية وضع دستوري مميز للمجلس العسكري واستثماراته و تم تقديمه للشعب على أنه دستور الشريعة الإسلامية والاستقرار والانتقال إلى "مصر الجديدة" وسائر تلك الشعارات المشابهة لشعار "العبور إلى المستقبل"

الدستور الجديد أهم بكثير من سباق انتخابات الرئاسـة و أهم خطوة في مستقبل هذا البلد وهو الذي سيحدد شكل الحكم القادم أو شـكل الثورة القادمة.

الأربعاء، 29 فبراير 2012

مجلس الإحباط

انتهت انتخابات مجلس الشعب وظهر المجلس المنتخب في صورة ضعيفة جدا لا ترقى لتلبية أدنى طموحات المواطن الذي أدلى بصوته لترشيح الأغلبية لتمثله باعتبار أنهم "بتوع ربنا" وتمسكهم بالدين سيردعهم داخليا عن أي تواطؤ أو مصالح دنيئة وسيجعلهم يضعون الحق و رد الحقوق المسلوبة و المنهوبة والضائعة نصب أعينهم وأهم أولوياتهم.
لم يجد أغلب متابعي جلسات مجلس الشعب أيا من طموحاتهم يتحقق بل رأوا نوابا يحاورون ويناورون ويدورون في حلقات مفرغة بعيدا عن صلب أي موضوع ويتطرقون إلى موضوعات تافهة بعيدة كل البعد عن القضايا المحورية كتسليم السلطة والقصاص من المسئولين والضباط والجنود الذي ارتكبوا جرائم ومخالفات في حق الشعب على مدى عشرات السنين عموما وأثناء أيام الثورة وما بعدها خصوصا ونقل الرئيس المخلوع إلى سجن طره والأموال التي نهبها هو وعصابته وهربها إلى الخارج أو أخفاها في حسابات سرية سواء في البنوك المصرية أو في البنك المحصن (العربي الدولي) وغيرها من الموضوعات.
انغمس النواب في نقاشـات حول مشـروعية الأذان في داخل قاعة المجلس وصرخات متشـنجة تتهم مجموعات وشـخصيات سـياسـية بالعمالة لأمريكا واتهامات مرسـلة بالتخوين ونقاشـات حول كيفية توزيع أنابيب البوتوجاز لحل أزمة الغاز الطبيعي دون التطرق للحل ألأصلي للأزمة وهو منع تصدير الغاز إلى اسـرائيل رغم أنها تتفاوض على تصدير فائض الغاز المصري إلى الهند وانشـغل النواب بمعاداة أي معارض للأغلبية سـواء حول موضوعات أسـاسـية كوجود خرطوش من عدمه أو فرعية كأقوال في مسـيرة تطاولت على شـخصية أحد المشـايخ أو منصب المشـير رغم عدم اختصاص البرلمان في مناقشـة بعض هذه الموضوعات من الأسـاس.
تم  إلغاء غرامة الخمسـمائة جنيه الوهمية التي دفعت عددا هائلا من المواطنين إلى التزاحم على صناديق الانتخاب خوفا من الغرامة في ظل أوضاع اقتصادية سـيئة مع أغلب المواطنين حتى من قبل قيام الثورة بسنوات.
رغم كل مظاهر التأمين والسـيطرة على العملية الانتخابية إلا أن التصويت تم في ظل حالة اسـتقطاب حادة مع حشـد إعلامي مكثف من القنوات الدينية نحو تأييد مرشـحي الإخوان المسـلمين (الحرية والعدالة) ومرشـحي السـلفيين (حزب النور) وتم تسـخير منابر المسـاجد بقوة لاسـتغلالها في دعاية انتخابية رخيصة تهين الدور الرئيسـي للمسـاجد وتجعلها أداة إعلامية وفي ظل تراخ هائل من الجهات الأمنية تجاه الدعاية الانتخابية الكثيفة داخل اللجان الانتخابية و أمام طوابير الناخبين سـواء من أفراد يقومون بتوجيه الناخبين نحو رموز الأفراد أو القوائم أو عن طريق الدعاية المطبوعة وأجهزة الكمبيوتر المحمولة التي انتشـرت أمام جميع اللجان للدعاية الغير مباشـرة والمباشـرة.
كل هذه العوامل أدت إلى فقدان المواطن ثقته في العملية الانتخابية برمتها رغم أنها –شـكليا- بعيدة عن التزوير المفضوح الذي شـهدته انتخابات 2010 إلا أنها لم ترق إلى الشـكل الذي روج له و مدح فيه الإعلام.
النتيجة المتوقعة هي انسـحاب نحو 93% من إجمالي الناخبين وإحجامهم عن التصويت في انتخابات مجلس الشـورى ورفضها بنفس أسـلوب رفض انتخاب أغلب مرشـحي فلول الحزب الوطني المنحل الذين لم يكن أحدهم لينجح في انتخابات مجلس الشـعب لولا تحالفهم مع الحرية والعدالة أو النور. نبذ المواطنون هذا المجلس لاعتباره غير ذي قيمة ولا فائدة ولكل الأسـباب السـابقة.
بعد كل الأموال الطائلة التي أنفقت على هذا المجلس يخرج بيان الهيئة العليا للانتخابات لإعلان نتائج انتخابات الشـورى بنسبة تصويت هزيلة ولا أرى أي متابع لهذه النتائج إلا من يتمنى الخلاص منها كمن يريد أن يلقي عن كاهله حملا سخيفا تم فرضه عليه بتكلفة باهظة ومضيعة للوقت والجهد متطلعا إلى اليوم الذي ينتقل فيه إلى مرحلة انتخاب رئيس للجمهورية وإنهاء هذه المرحلة الانتقالية بالغة الطول. ولكي يكتمل مسـلسـل الهزل يقسـم النواب اليمين الدسـتورية وتتكرر الإضافات إلى القسـم "بما لا يخالف شـرع الله" وكأن هذه المجالس البرلمانية تناقش وتوافق على  المحرمات وما ينافي شـرع الله ثم يقوم أحد نواب مجلس الشـورى (من حزب الحرية والعدالة) بترشـيح نفسـه لمنصب رئيس المجلس ولا يتقدم أحد ضده ليتاح له الفوز بالتزكية إلا أنه يصر على إجراء انتخابات واقتراع على اسـم واحد فقط في مشـهد هزلي لا معنى له.
لو أن هناك نظاما انتخابيا يلغي أي انتخابات تقل فيها نسـبة التصويت عن خمس أو سـدس عدد الناخبين لتم إلغاء هذا المجلس لأن الإحجام الشـعبي الهائل عن التصويت هو في حد ذاته إقرار صريح بعدم تقبل الشـعب لا لجدوى مجلس الشـورى ولا لوجوده من الأسـاس.
ردود أفعال متابعي جلسـات مجلس الشـعب في المقاهي شـديدة الوضوح والتعليقات تنم عن إحباط متنام ومتزايد حتى أن بعض المقاهي توقفت عن المتابعة وعادت لعرض قنوات الأغاني ومباريات كرة القدم. ظهر التهكم والسـخرية من سـذاجة وسـطحية طلبات وتعليقات النواب الذين يفترض فيهم السـعي لرفعة هذا الوطن وتقدمه اقتصاديا وتعليميا خاصة عندما انبرى أحد النواب محتجا على منحة تعليمية تهدف إلى جعل تعليم اللغة الانجليزية بدءا من السـنة الثانية الابتدائية بدلا من الرابعة معتبرا ذلك مخططا مقصودا لنشـر الثقافة الغربية وتدمير الهوية العربية ناسـيا أو متناسـيا أن الغالبية السـاحقة من الشـعب تسـعى قدر اسـتطاعتها لتعليم الأطفال اللغات الأجنبية مبكرا لمواكبة التطور العلمي العالمي وأن ديننا الإسـلامي يحض على طلب العلم من المهد إلى اللحد أينما كان ولو في الصين بل ويؤجر المعلم والمتعلم على ذلك.
الصدمة شـديدة الإزعاج كانت عندما توجه أحد النواب في مسـيرة خارج البرلمان وتحدث عن تحديد مسـئولية تدهور الأحوال الراهنة مسـتخدما أحد الأمثال الشـعبية الذي تم تفسـيره مباشـرة على أنه إهانة للمشـير ثم تحدث في أحد البرامج على قناة فضائية مهاجما أحد رموز الدعوة السـلفية فقامت الدنيا في البرلمان ولم تقعد هجوما وانتفض النواب من الحرية والعدالة والنور وكأنه تطاول على أحد الصحابة أو على شـخص النبي عليه الصلاة والسـلام ورغم محاولة النائب تقديم الاعتذار إلا أنهم تكاتفوا بإصرار ليتم تحوله إلى لجنة القيم للنظر في أمر توقيع عقوبة عليه قد تصل إلى رفع الحصانة عنه وفصله من البرلمان.
تناقض هذا التصرف واختلف رد الفعل كليا إزاء نائب آخر تطاول بشـكل صريح ومباشـر على أحد رموز الثورة وألقى اتهامات جسـيمة بالخيانة والعمالة وادعى امتلاكه للمسـتندات المؤيدة لأقواله ولم يغضب أي من هؤلاء النواب الغيورين على الأخلاق التي "لا تخالف شـرع الله" ورفضهم للغيبة والأقوال المرسـلة بل وقاموا بالتصفيق لذلك النائب ومقابلة ادعاءاته بالابتسـامات وعلامات التأييد ، وعندما تقدم عدد من النواب الغير منتمين لهذا التيار الذي أطلق على نفسـه صفة "التيار الإسـلامي" بطلب محاسـبة ذلك النائب عن تطاوله بالألفاظ واتهاماته الصريحة لا الضمنية أسـوة بالمحاسـبة التي تمت للنائب السـابق كان الاسـتنكار ورفض المحاسـبة حتى عندما بلغ الأمر التصويت على إحالة النائب للمحاسـبة عن تلفظه بتلك الادعاءات تكاتفوا جميعا لمنع أي إحقاق للحق وليثبتوا اتجهاههم للكيل بمكيالين تجاه قضية أخلاقية صريحة ضاربين نموذجا صارخا لتناقض تسـميتهم ومبادئهم المعلنة مع حقيقة تصرفاتهم العملية حيال المواقف التي تتطلب مطابقة المظهر مع المخبر. انتهى الاقتراع برفض الإحالة لمكتب المجلس وابتهجوا بل وصافحوا النائب صاحب الادعاءات الحنجورية والتهم العلنية مهنئين إياه بنجاته من أي إجراء قد يتخد ضده ومعلنين دعمهم له ولو على باطل من القول.

أين الشـعارات الرنانة التي طالما تغنى بها هؤلاء النواب من السير على طريق الجنة؟ وأين الالتزام بالشريعة الإسلامية التي تنهى عن الفحش من القول وتعاقب على الغيبة والبهتان في الدنيا والآخرة؟ أين الثبات على كلمة الحق ولو على الأقربين –ناهيك عن الحلفاء السياسيين؟ أين المسميات الجميلة المستمدة من الدين الإسلامي الذي يعطي كل ذي حق حقه ويعامل فيه الناس سواسية في الحقوق؟
هذه التصرفات إساءة للدين وللمنصب ولكل من أعطى صوته لهؤلاء النواب واختارهم لقناعته أنهم سيلتزمون بأخلاق الإسلام وصفاته. هذا التناقض لا يجب أن يوجد في أي امرئ مسلم فما بال تواجده في من أعلن التزامه أكثر من غيره؟  كيف يمكن لشخص يعلن أنه يطهر سريرته ونفسه في كل يوم وكل صلاة من الذنوب والفساد أن يظهر قلبه بكل هذا السواد؟ كيف يخرج كل هذا الغل من أشخاص يتحدثون عن سماحة الإسلام ويتشدقون بأن تطبيق الشريعة بصرامة على جميع المواطنين سواسية بعدل وإنصاف سيحمي المجتمع من الانحرافات بينما هم يناقضون أنفسهم في أول اختبار لتطبيق الجزاء على أفراد منهم؟ وحتى إن افترضنا وجوب مجازاة المخطئ ، فهل تكون بهذه الحدة بينما من تطاول مثله تتم تهنئته بالنجاة من الجزاء؟

يقول تعالى: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا} (الإسراء:53)، وجعل الدعوة بالحسنى، يقول تعالى: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (النحل:125), وأمر بالقول الحسن والعدل في الناس كلهم جميعاً، يقول الله تعالى:وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً (البقرة:83)
يقول  -صلى الله عليه وسلم: "أربعٌ من كنَّ فيه كان منافقاً خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها.. إذا حدث كذب..وإذا وعد أخلف.. وإذا خاصم فجر.. وإذا عاهد غدر"  رواه الشيخان من حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما
           وفي جامع الترمذي من حديث أبي هريرة قال : قال رسـول الله - صلى الله عليه وسـلم : يخرج في آخر الزمان قوم يختلون الدنيا بالدين ، ويلبسـون للناس مسـوك الضأن من اللين ، ألسـنتهم أحلى من السـكر ، وقلوبهم قلوب الذئاب ، يقول الله عز وجل : أبي يغترون ؟ وعلي يجترئون ؟ فبي حلفت ، لأبعثن أولئك فتنة تدع الحليم فيها حيران .
          يقول ابن تيمية: إن العدل واجب في كل أحد، على كل أحد، في كل ظرف، وكل مكان وحال، والظلم محرم من كل أحد، على كل أحد، في كل ظرف، وكل مكان وحال.
اســـتقيموا يرحمكم الله واعدلوا فالله رقيب عليكم.

الجمعة، 3 فبراير 2012

كارثة بورسعيد وقرار مجلس الشعب الهزيل



البقاء لله ... لله ما أعطى ولله ما أخذ ولا نقول إلا ما يرضي ربنا .. إنا لله و إنا إليه راجعون.
اعتذر مقدما عن الإطالة والتفاصيل ولكن الصدر محتقن بالكثير من الغضب.......
مباراة الأهلي والمصري سبقها العديد من الشواهد التي تدل على تحفز جماهير الكرة في بورسعيد لعنف جماعي ضد مشجعي الأهلي وتم نشر تحذيرات على الفيسبوك وتويتر من بوادر عنف متوقعة. ليس العنف الكروي جديدا على جمهور المصري خصوصا عندما يكون اللقاء مع أحد الأندية الكبيرة التي تؤثر نتيجة مباراتها على ترتيب الدوري ولكن هذه المرة كانت التحذيرات أشد وتدل على تعامل شرس متوقع. العنف في بورسعيد كان سمة متكررة للتشجيع المتعصب للفريق ولكنه لم يسفر قط عن إصابة تؤدي إلى عاهة مستديمة أو جروح قطعية أو حالة قتل واحدة على مر عقود.
سبقت المباراة قرائن عديدة مريبة مع تراخ وتسيب أمني كامل على البوابات وإهمال جسيم لتفتيش أي مشجع .المباراة تخللتها تجاوزات عديدة ونزول متكرر من جمهور المصري لأرض الملعب دونما أي تعليق أو تحذير من حكم المباراه وظهر تجاهل عجيب من الحكم والأمن للتجاوزات.كل الشواهد كانت تدل على كارثة مدبرة ومرتقبة ولكن لا يتوقع أي متابع أن يسفر الأمر عن أكثر من شغب قد يؤدي في أسوأ حالاته إلى عدة إصابات وكدمات يمكن تجنبها عن طريق الكردون الأمني الذي ينتشر عادة في نهاية أي مباراة لفصل اللاعبين والمشجعين عن بعضهم البعض.
وحانت لحظة الكارثة ورأينا جميعا المشهد المخيف من انطلاق مايقرب من ألفي شخص إلى أرض الملعب بمجرد إطلاق صافرة الحكم معلنا نهاية المباراة ومنهم نحو 500 شخص من جميع الاتجاهات منطلقون بسرعة شديدة بهدف محدد حاملين عصي وأدوات حادة ومتجهون نحو فرقة ومشجعي الأهلي لا لشئ إلا الاعتداء عليهم ومعهم مايزيد عن ألف آخرين نزلوا إلى الملعب لمجرد ان "الكل ينزل" و وقفوا يشاهدون ما يحدث في غياب تام لأي رد فعل من قوات الأمن المتواجدة بالملعب بل وإفساحهم الطريق لكل من شاء النزول إلى الملعب وزادت الكارثة بانقطاع التيار الكهربي عن الملعب واتضح أن كل المعتدين يحملون كشافات ضوئية مما يؤكد استعدادهم للجريمة وتنسيق أركانها.
ما كان يحدث هو جريمة كاملة تم وصفها من قبل العديد من الشهود العيان والناجين بأنه مذبحة لكل مشجعي الأهلي واعتداء بغرض القتل من قبل أشخاص محترفين وبلطجية متمرسين هدفهم تصفية المشجعين وسرقة متعلقاتهم والتأكد من موتهم بإلقائهم من أعلى المدرجات وكسر رقابهم والإجهاز على من أصيب والتأكد من موته.
كان موقف الأمن شديد السلبية بل إن أحد الضباط انشغل بتسجيل الاعتداء والقتل بكاميرا تليفونه المحمول وكأنه يشاهد أمرا آخر لا علاقة له به ولا بالقسم الذي أقسمه على نفسه بحماية الشعب وحفظ الأمن. بعض ضباط الأمن بدت ردودهم أكثر انحطاطا من تخاذلهم عندما صرخ أحد الجماهير في ضابط طالبا تدخله للحماية فأجابه بشماته أنكم تسبون الداخلية وتريدون الآن النجدة من الداخلية فأنقذوا أنفسكم الأمر الذي لا يدل إلا على التواطؤ أو الإهمال الجسيم.
كان يمكن تفسير ماحدث على أنه انتقام أعمى من جمهور شديد التعصب بسبب خسارة ناديه إلا أن الفريق خرج من مباراته منتصرا وبفارق ثلاثة أهداف لهدف فلا يمكن أن يكون الانتقام بسبب النتيجة. استمرت المذبحة نحو ساعة ولم يرحم القتلة صغر سن الجمهور وقتلوا الأطفال والشباب وحتى امرأة حامل في شهرها الثالث قتلوها بإلقائها من أعلى المدرج الأمر الذي يؤكد أنهم قتلة محترفون وأن هذا العنف لا يمت لعنف الملاعب بصلة.
هرب من تمكن من الخروج سريعا وساعد بعض الأهالي في إخفائهم في منازلهم خوفا من الفتك بهم وقاموا بتقديم ملابس لهم ليتمكنوا من الوصول إلى محطة القطار دون ظهورهم كمشجعي الأهلي. كل الشواهد كانت تؤدي إلى معنى واحد وهو أن هناك أطرافا في الداخلية بلغت من الشر والغل مداها وقررت إصدار حكم بالإعدام على جمهور الألتراس الذي كان له دور مهم في التصدي لقوات الشرطة في جمعة الغضب بسبب تنظيمهم ولأنهم كلهم من الشباب النشيط المفعم بالحيوية وذلك عن طريق محترفي الإجرام الذين دأب النظام السابق على استغلالهم لأغراض كثيرة كتزوير الانتخابات وفض المظاهرات وغيرها فهي تبدو بقوة أنها انتقام من أطراف داخل وزارة الداخلية.
طول أمد الجريمة وعدم تحرك أي قوات أمنية سواء من الشرطة أو القوات المسلحة لساعات تسبب في تزايد الغضب بسرعة هائلة من الملايين المتابعة للكارثة على الهواء مباشرة خاصة وأنها ليست المرة الأولي التي يتأخر فيها رد فعل المسئولين فقد سبقها التأخر في إنقاذ عبارة السلام والعبارة التي أنقذتها القوات البحرية الأردنية –ونسبت قواتنا المسلحة الفضل فيها لنفسها-  و كوارث كثيرة من قبل الثورة و بعدها.
ظهر رد فعل هزيل بعد ساعات تمثل في إرسال طائرتين لنقل لاعبي الأهلي وتم تجاهل الحالة الأمنية في بورسعيد فلم يتم إرسال أي تعزيزات أمنية من شرطة أو جيش رغم أن منطقة القنال مليئة بالمناطق العسكرية التي تستطيع أن تملأ الاستاد بأفراد مدججة بالسلاح خلال ربع ساعة الأمر الذي زاد من الاحتقان والغضب.
استقبل المشير فريق اللاعبين العائد وأصدر تصريحا من أسوأ تصريحاته مناديا الشعب أن يتصدى للشعب الذي يقوم بالشغب وهو كلام معناه كارثي ويهدد بإشعال حرب أهلية ويدعو لصدام الجماهير ببعضها و رفع يد المجلس العسكري يده عن تأمين موقف فادح إلى هذا الحد. التصريح جعل من كان متماسكا يستشيط غضبا واستنكارا وأشعل صدور عددا هائلا من الناس.
كانت الليلة من أسود ليالي مدينة بورسعيد وامتلأ الملعب بالدماء و ببكاء أمهات تبحث عن أبنائها سواء من بورسعيد أو من الأهالي الذين أسرعوا في لهفة ورعب لمعرفة مصير أبنائهم الذين كانوا هناك.
كانت كل الأنظار تتطلع إلى القصاص وإلى السلطة التي ستقوم بهذا القصاص لذلك استقبل الناس خبر انعقاد مجلس الشعب في جلسة طارئة بحبس الأنفاس وانتظار ما ستسفر عنه تلك الجلسة بينما انطلق آخرون في غضب إلى الشارع لمحاولة استنشاق بعض الهواء الذي بدا خانقا كئيبا من مناظر موت ودماء أصدقائهم وأقربائهم.
دامت الجلسة ساعات طوال وكانت عبارة عن سجالات كلامية لا ترقى لمستوى حادث تصادم عدة سيارات بسبب إهمال إشارة مرورية. انبرى بعض الأعضاء متحدثا عن ذكرياتهم في داخل سجن طره و وصفه وآخرون أسهبوا في تحميل "جمهورية طره" المسئولية عن كل الأحداث التي تسبب الاضطرابات في البلاد لم نسمع أي صوت من تيار الأغلبية يحمل أي مسئولية عن الكارثة للمجلس العسكري الذي بيده مقاليد الأمور وتم جعل وزير الداخلية كبشا للفداء ولم يتجرأ أي من هؤلاء الأعضاء على ذكر اسم المشير في مسئوليته عن تأمين البلاد ولا مسئوليته السياسية عما حدث وعما قاله في تصريحه الغريب.
هاجم عدد قليل جدا من النواب المجلس العسكري –وكلهم لا ينتمون للأغلبية- وحملوهم المسئولية المباشرة عن التأمين وعن سوء إدارة حكم البلاد وإهمال شئون كثيرة أدت إلى تدهور حالة البلاد الأمنية والاقتصادية وعلى رأسها إعادة هيكلة وزارة الداخلية.
تعددت المطالبات من إقالة الحكومة إلى إقالة وزير الداخلية إلى تغيير النائب العام إلى تفريق سجناء طره وغيرها وتوالت كلمات النواب ساعات طوال وانتظر ملايين المتابعين طويلا لحظة تلاوة البيان الختامي للمجلس.
جاءت اللحظة الحاسمة وكان البيان النهائي هو قرار بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق لدراسة ما حدث وإصدار تقرير عن الكارثة ورفعت الجلسة على أن تنعقد يوم الإثنين التالي أي بعد أربعة أيام من الجلسة التاريخية.
السلطة الوحيدة المنتخبة انتظر منها الملايين أن تصدر قرارا كبيرا يتناسب مع هول الكارثة.
مجلس الشعب الذي تتكون أغلبيته من التيار الإسلامي والذي انتخبه الشعب لأنه ينادي بتطبيق الشريعة الإسلامية والقصاص السريع والعدالة الناجزة لم يحمل المسئولية لرأس الحكم ولم يتذكروا قول الفاروق عمر "لو أن شاة عثرت بالعراق لسؤل عنها عمر" وما فعل بالمرأة الفقيرة التي كانت تطهو الحصى لأبنائها حتى يناموا جوعا وتقول الله الله في عمر أيلي أمرنا و ينسانا" موضحا أن رأس الحكم هو المسئول مباشرة عن جوع الرعية وحتى عن طريق غير ممهد تتعثر فيه شاة ولكن لم يحملوا رأس الحكم مسئولية قتل 76 من شباب في عمر الزهور.
ماذا ينتظر الجمهور الغاضب إذا؟ ماذا يفعل من فقد أخاه أو صديقه أو جاره ولم يجد من يمثله  في المجلس يطالب بحقه سوى بكلام هزيل تكرر مرات ومرات من حكومات المخلوع وفي أحداث كارثية أخرى كالدهس أمام ماسبيرو والاعتداء على اعتصامات التحرير ومجلس الوزراء؟ كيف يمكن امتصاص هذا الغضب العارم والاحتقان الهائل ولا يوجد قرار واحد يبرد القلوب ويشفي الصدور؟ كيف تطالب من فقد عزيزا بضبط النفس والهدوء وهو لا يجد سوى برود وفتور يقتلانه كمدا وغيظا؟ ضاقت الصدور وغلت الدماء في العروق  وخرجت الآلاف الغاضبة إلى الشارع لأن مجلس الشعب بقراره الهزيل أصابهم بخيبة أمل وإحباط شديدين. أهؤلاء الذي انتخبناهم ليحقوا الحق ويطالبوا بالقصاص؟ أهذا المجلس حقيقة يعبر عن آلامنا؟ أهذا البيان يحقق ولو قدرا يسيرا مما نطمح إليه؟ كلها أسئلة لم تجد جوابا سوى التحرك التلقائي إلى المكان الذي تنفسوا فيه الحرية.. إلى ميادين الثورة في القاهرة والسويس والاسكندرية وباقي مدن الجمهورية.
ذهبت الآلاف في غضب تعلنه دون مطالب مكتوبة ودون دعوات ودون اتوبيسات تقلهم من هنا وهناك لتحشدهم. الكل خرج رافضا رأس السلطة وغاضبا من التخاذل وهوان حياة المواطن على هذه السلطة. ذهب الشباب الثائر ليصب غضبه ويعلن الاحتجاجات أمام رموز السلطة المسئولة عن حدوث هذه الجريمة البشعة وهما وزارة الداخلية و وزارة الدفاع. الداخلية هي المسئولة عن قطاع الأمن المركزي والأمن العام والمباحث وكلهم يتحملون مسئولية تأمين الملاعب ولم يفعلوا شيئا تجاه عدد هائل من البلطجية المسلحين  يقتلون جماهير مسالمة أمام أعينهم. المجلس العسكري هو المسئول الأكبر لسيطرته على جهاز المخابرات والإعلام وكان يمكنه منع الكارثة عند استشعار بوادر وأمارات الخطر بتأجيل أو إلغاء المباراة أو حتى نقلها وحتى عندما نطق رئيس المجلس (المشير) بتصريحه تسبب في صدمة هائلة لكل من سمعه. مجلس الشعب كان الملاذ الأخير لأنه يفترض أنه يعبر عن نبض الجماهير ورأي الشارع ولكن يبدو أن حسابات السياسة لا تهتم كثيرا بحياة الأفراد إلا في السجالات الكلامية ويتم تشتيت محور الحديث إلى طرف ثالث مجهول أو مساجين طره أو تحمل المسئولية لأحد المسئولين ككبش فداء دون المساس بالمصالح السياسية والأهداف الخاصة. 
هل يتصور عاقل أن "جمهورية طره" تعمل عن طريق تسخير الجان مثلا؟؟؟ هل يمكن أن يخططوا لكارثة بهذا الحجم دون وسائل اتصال وتنسيق؟ إذا كانت لديهم أجهزة الكترونية تسمح لهم بالتواصل والتنسيق والتمويل فمن سمح لهم بكل هذا الترف؟ أين دور المجلس العسكري الذي يملك الأمر بعزل هؤلاء عن الحياة العامة بشكل كامل؟ أين القوات المسلحة التي طالما تباهت بقدرتها على تأمين لجان الانتخاب بطول الجمهورية وعرضها؟ أين المخابرات التي تستطيع تصوير بعض الشباب أثناء لف سيجارة وتسريب الفيديو لمن يدعي على الفضائيات أنها سيجارة مخدر (وكأنه حلل محتواها بنفسه) في اعتصام مجلس الوزراء؟ أين الأمن الوطني الذي يتتبع الاتصالات ويراقب المؤامرات لإجهاضها قبل حدوثها؟ أين أجهزة الرقابة والأمن القومي من المتواطئين مع نزلاء طره أو المفسدين خارج طره سواء داخل الداخلية أو خارجها؟ ثم كيف يترك القاتل الأكبر في مستشفى شديد الفخامة يتمتع بأعلى مستو من الرفاهية و زوجته التي عاثت في الأرض فسادا معه مطلقة السراح حرة في إجراء الاتصالات وتحريك الأموال؟ أين التصرف السريع في إنقاذ الكارثة الذي كان يجب أن يتخذه قادة الوحدات العسكرية المحيطة ببورسعيد والاسماعيلية والسويس؟ كيف تجمعت كل هذه العوامل من الفشل والإهمال والنسيان وعدم التنسيق الأمني والإداري سويا حتى سمح لفئة مجرمة أن ترتكب أبشع جريمة تشهدها ملاعب مصر؟ 
كل هذا التخبط والفشل انفجر في صدور الشباب فتوجهوا إلى رموز قوى السلطة المسئولة عنه. ماذا كان رد الفعل؟ لا جواب !!! نفس منطق التعامل الأمني من إطلاق الغازات المسيلة للدموع... نفس الادعاءات القديمة والمتكررة من تعمد المتظاهرين الغاضبين محاولة تدمير وزارة الداخلية. لماذا لم يتم إقامة سد من الأسلاك الشائكة أمام مداخل وزارة الداخلية ويترك المتظاهرون ليهدموا الجدار السخيف الذي يسد شارع محمد محمود للتنفيس عن طاقة غضبهم مع اتخاذ خطوات حقيقية تهدئ الصدور وتشفي الغليل؟ الحماسة تبلغ بالبعض الرغبة في اقتحام وزارة الداخلية ولكن هذا التفكير يهدأ بمجرد صدور قرار حاسم محق ومنصف للدماء التي سالت فلماذا هذا التعنت والعناد؟؟؟ الجواب ببساطة لأن العقلية لم تتغير والنظرة إلى الشارع لم تتغير وتعتبرأنهم مجرد فوضويين ومشاغبين ولا يجب التعامل معهم إلا بالقوة والتفريق بالغاز والخرطوش. آلاف حالات الاختناق بالغاز وأرواح جديدة تزهق بالخرطوش والرصاص وبلغ التخبط دهس أحد ضباط الجيش بمدرعة أمن مركزي الأمر الذي يؤكد الفشل الذريع حتى في التعامل الأمني الذي قرروه.
لا يستطيع أحد أن يمنع الغاضبين من التنفيس عن غضبهم ولكن يمكن امتصاص هذا الغضب بقرار صائب. كان بإمكان مجلس الشعب تجاوز اللائحة وتشريع نص جديد أو المطالبة بقرار ثوري يتناسب مع هول الحدث وكان يمكن المطالبة بمشروع إعلان دستوري مختصر سريع لنقل السلطة إلى سلطة مدنية منتخبة ولكن كل من له حسابات خاصة لا يريد أن يتجاوز رغبة حزبه أو أطماعه الشخصية وفضل الحديث بكلام لايسمن ولايغني من جوع. كل الغاضبين فاض بهم الكيل ورفضوا الحكم العسكري فلا يبدو هناك مخرج من هذا العبث والفشل سوى بقرار حاسم لكيفية تسليم السلطة بأسرع ما يمكن.
هل من قرار؟ هل تصحو الضمائر بدلا من تساقط الشهداء ومئات المصابين كل ساعة في مختلف المدن؟ هل من عاقل يحقن الدماء؟ هل من مجيب قبل أن ينفجر الموقف أكثر نخسر أرواحا أكثر وندخل في فوضى؟
اللهم احقن دماءنا وارحم موتانا واشف مصابنا و ول علينا خيارنا ولا تول علينا شرارنا ولاتؤاخذنا بما فعل السفهاء منا ولا تسلط علينا من لايخافك فينا ولا يرحمنا واجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا واقصم كل ظالم ومنافق واجعلنا اللهم من الراشدين.

الأحد، 29 يناير 2012

موقف الإخوان من الميدان والدولة البرلمانية



على مدى أكثر من أسبوعين استمرت التحضيرات والاستعدادات والدعوات لنزول الشعب بكل أطيافه إلى الميادين بمناسبة مرور عام على الثورة والمطالبة بتحقيق المطالب الأساسية والتي لم يتحقق منها سوى خلع رأس النظام وحبس المعاونين الأساسيين له وإحالتهم إلى المحاكمة والتي تابعتها الجماهير بإحباط وغضب تدريجي متزايد إلى أن بدأت الصورة تتضح  أن عريضة الاتهام والأدلة المقدمة والإجراءات كلها ستفضي إلى احتمال الوصول إلى أحكام براءة أو على أحسن التقديرات أحكام تافهة لا تتناسب إطلاقا مع كم الفساد وحجم الجرائم التي ارتكبت خلال العقود الثلاثة الماضية والتي تفجرت خلال أيام الثورة الأولى.

أعلن البعض عزمهم النزول صراحة على صفحات المواقع الالكترونية واحتفظ البعض الآخر برأيه لحين التنفيذ واجتمعت كل التيارات التي اشتركت في الثورة على النزول للتأكيد على المطالب مجددا والمطالبة بنقل السلطة من المجلس العسكري إلى سلطة مدنية منتخبة سواء من مجلس الشعب أو عن طريق اختيار أعضاء مجلس الشعب.

أعلن الإخوان المسلمين عزمهم النزول إلى ميدان التحرير وميادين المحافظات الرئيسية للاحتفال بمرور عام على الثورة عكس كل ما كانت تتوقعه الجماهير الأمر الذي أثار حفيظة التيارات السياسية وجماهير الشعب الغير منتمية إلى أي تياروالغاضبة بسبب تخبط الإدارة والأسلوب العسكري في إدارة الأزمات الذي أدى إلى وقوع العشرات من الشهداء والمصابين.
رفضت الجماهير إقامة أي منصة سواء حزبية أو خاصة بأي مرشح رئاسي محتمل ورغم ذلك أقام الإخوان منصة عظيمة مجهزة بمكبرات الصوت وأصروا على التمسك بمظاهر الاحتفالية رغم الاعتراضات المتزايدة.

تزايد الاحتقان وظهرت بوادر فرقة حقيقية رغم أن نسبة كبيرة من المتواجدين في الميادين تطالب بتسليم السلطة لمجلس الشعب الذي حاز فيه الإخوان الأغلبية مما يعني أن الشعب وضع الثقة في الإخوان لإدارة المرحلة الانتقالية ولكن ليس معنى هذه الثقة أن يتحول اليوم الذي يحمل ذكرى استشهاد نحو ألف من أبناء هذا الوطن إلى احتفال وأناشيد وما يسمى بالإنجاز فلم يحدث أي إنجاز حقيقي سوى للإخوان بأن تمكنوا من الترشح بحرية في الانتخابات والفوز بالأغلبية ورغم أن هذا ليس أمرا مكروها رغم كل ما شاب العملية الانتخابية من مخالفات صارخة إلا أنه لم يكن أصلا من أهداف الثورة التي أخرجت هذا الشعب غاضبا منذ عام.
منعا للاحتكاك في التحرير أقامت حركة شباب 6 ابريل منصة مقابلة لترديد الهتافات التي أعلنتها كل المسيرات. نفس الهتافات تكررت في كل المدن والمسيرات التي توجهت لجميع ميادين التحرير في أنحاء البلاد وعلى رأسها المطالبة بإسقاط حكم العسكر ومعها باقي مطالب الثورة الأصلية.

أصر الإخوان على التمسك بنفس الموقف والرد على الهتافات المنتقدة التي اتخذت شيئا فشيئا الشكل العدائي برفع صوت السماعات إلى أقصاه بالقرآن الكريم الأمر الذي استفز الجماهير أكثر وأكثر حتى بلغ الأمر رفع الأحذية أمام منصة الإخوان عندما هتفت بأن الجيش والشعب يد واحدة لأن أصواتهم واحتجاجاتهم لم تصل إلى المنصة بسبب الارتفاع المزعج للصوت فكان الرد باحتجاج مرئي بدلا من الهتافات المضادة.

فقد بعض الشباب أعصابهم وقاموا بسب شباب الإخوان الذين أقاموا درعا بشريا حول منصتهم وتزايدت الشتائم ونبرة التخوين بعنف. التزم شباب الإخوان بالصمت وعدم الرد على هذه الشتائم بشتائم مقابلة أو بالعنف لمدة طويلة –وهذا يحسب لهم- ولكنهم استمروا في نفس أسلوب الاستفزاز الغير مبرر في الهتافات ورفع صوت القرآن.

حدث موقف بغيض من أحد الأشخاص بأن ألقى زجاجة بها بول على منصة الإخوان ولكن لم يصل الأمر إلى الاشتباك إلا بعد فترة طويلة وكان عند شارع محمد محمود ولم يستمر إلا لدقائق تمالك بعدها جميع الأطراف أعصابهم وبدأت محاولات من عدة أطراف لتهدئة الأمور خاصة وأن الجماهير لم تنزل لتعادي الإخوان أساسا بل للمطالبة بتسليم السلطة من المجلس العسكري إلى سلطة مدنية منتخبة.
مر اليوم بسلام رغم كل الاحتقان لإدراك الغالبية العظمى من الجماهير أن التفرق يفسد الهدف الأساسي وتجنبهم العنف ولتماسك شباب الإخوان أيضا مع أنهم استمروا في الهتافات الاستفزازية وكذلك مرت الأيام التالية.

ينبغي أن نتذكر أن ما أشعل أزمة بين الشرطة وأفراد الألتراس في أحد المباريات كان أيضا إلقاء البول على الجنود وهو نفس الموقف الذي ادعته قيادات الشرطة يومئذ وقد يكون أحد المندسين الذي يحاول زرع الفتن بهذا التصرف الحقير

والسؤال الآن ... ما تفسير هذا التصرف الغريب من الإخوان؟ وما الداعي لكل هذا التمسك بالمجلس العسكري رغم كراهيتهم المعروفة للحكم العسكري ؟

يجب أن نراجع بعض المواقف للإخوان من الثورة وما بعد خلع الطاغية وبعض الحقائق لنحاول الوقوف على تفسير هذا الموقف.

الإخوان فصيل سياسي هدفه –كأي فصيل سياسي آخر- الوصول للسلطة والسيطرة على الحكم.

الإخوان أكثر الفصائل تنظيما ويرجع ذلك للخبرة الطويلة والدعم المادي الكبير من تبرعات الأعضاء ومن الخارج.

الإخوان من الفصائل التي تضررت بشدة من النظام الأمني الشرس وخاصة خلال فترة وزارة حبيب العادلي وأسلوبه القاسي من اعتقالات وتعذيب ممنهج.

الإخوان أكثر الفصائل تعاملا مع نظام المخلوع رغم إنكارهم لذلك فلم يحدث أن حصل أي فصيل سياسي على هذا الكم من التمثيل في البرلمان في عام 2005 تحت مسمى "المستقلين" رغم أن النظام كان بإمكانه تحجيم بل ومحو فرصهم في الفوز بتلك الانتخابات.

شباب الإخوان صمدوا وأثبتوا وجودهم في موقعة الجمل (ولم يكونوا وحدهم طبعا بل كانت معهم جميع أطياف الشعب)ومنهم من رفض تعليمات مكتب الإرشاد ونزل بداية من 25 يناير 2011 ولم تعلن قيادات الإخوان النزول إلا صباح جمعة الغضب وكان بصفة فردية وكان بصفة رسمية كاملة صباح موقعة الجمل.

الإخوان ليسوا فصيلا خائنا بل على العكس كلهم وطنيون ولكن أهدافهم الرئيسية ليست نفسها الأهداف التي أخرجت الشعب كله في ثورته.

الإخوان أول فصيل سياسي قبل الجلوس مع عمر سليمان حين كان نائبا للمخلوع وعندما وجدوا أن اللقاء لن يحقق لهم المصلحة المرجوة أنكروا أنهم تقبلوا هذا الاجتماع إلا من منطلق معرفة كيف يفكر العدو والاستماع إليه رغم ما تردد لاحقا أنهم أجروا لقاءا آخر في نفس المساء مع عمر سليمان وأن منهم من سافر فورا إلى واشنطن لدراسة المرحلة الحرجة في ذلك الوقت مع الإدارة الأمريكية.

الإخوان تخلوا عن جميع محاولات الحشد بدءا من جمعة 8 يوليو وهاجموها واعتبروها جمعة الوقيعة  وقاموا بحشد كبير من المحافظات يوم 29 يوليو وكأنه استعراض قوة وإعلان تواجد مكثف لكن دون المطالبة بأي من مطالب الثورة أصلا وانحصرت المطالبة في مطلب رئيسي وهو الحفاظ على الهوية الإسلامية للدولة رغم أن هذا الأمر لم يكن موضع نقاش أصلا.

الإخوان رفضوا النزول لمساندة الاعتصامات والمظاهرات التي صاحبتها أحداث محمد محمود و مجلس الوزراء وقدموا مبررات كثيرة لعدم النزول لا أعتقد أنها أقنعت غير أعضاء الإخوان أو المتعاطفين معهم.

لا توجد ديموقراطية داخل الهيكل التنظيمي للإخوان بشكل حقيقي والقرارات تكون بين مكتب الإرشاد ومجلس شورى الجماعة وآراء شباب الإخوان ليس لها وزن حقيقي إذا تعارضت مع خط السير الرئيسي للجماعة أو إذا كانت تتضمن أي قدح أو انتقاد لأفراد مكتب الإرشاد أو الشورى سواء لشخصه أو لمواقفه.

إذن ما السبب في التعارض الكبير بين قرارات الجماعة وبين الجماهير التي تطالب بإصلاحات أو بتسليم سلطة أو غيرهما من مطالب ثورية صرفة؟

يتضح شيئا فشيئا أن السبب الرئيسي هو أن الجماعة ترى أنها ينبغي أن تسيطر على السلطة بشكل كامل لكي تتمكن من تغيير مسار البلاد إلى ما يرونه أفضل و أصلح وهذه السيطرة لن تكون عن طريق الحصول على الأغلبية البرلمانية وإنما عن طريق السيطرة على الوزارة والتحكم تماما في موارد الدولة –وليس هذا عيبا إن صلحت النوايا ولكنه صراع حقيقي على السلطة.

بمعنى أبسط الإخوان يريدون الدولة البرلمانية لأنها النظام الذي يشكل فيه حزب الأغلبية الحكومة وهذا هو السبب الرئيسي لحفاوة الإخوان بزيارة رجب طيب أردوجان الشهيرة وترديد مقولة أن النموذج التركي هو أنسب نموذج لإدارة البلاد وبمجرد إعلانه أن نموذج إدارته يعتمد على العلمانية أظهر الإخوان غضبهم واعتبروه تدخل سافر منه في شئون مصر في حين حاول البعض تبرير مقولته بأن العلمانية مفروضة عليه لأن النظام التركي لايمكن أن يسمح بفوز حزب إسلامي في البرلمان.

الهدف من الدولة البرلمانية هو نفسه السبب الذي جعل الإخوان يعلنون أنهم لن يرشحوا أي من أفراد الجماعة لمنصب رئاسة الجمهورية لأنهم أصلا يريدون أن يكون منصب الرئيس هامشيا وصلاحياته محدودة جدا وتكون الصلاحيات الحقيقية مقسمة عليهم لأنهم يريدون تشكيل الحكومة و توزيع الحقائب الوزارية ليكون هناك نحو ثلاثين رئيسا للدولة الأمر الذي يضمن السلطة لقياداتهم جميعا.

السعي  للدولة البرلمانية  هو الذي جعل الإخوان يهاجمون بشراسة أحد أبرز أعضاء الجماعة وهو الدكتور عبد المنعم ابو الفتوح لأنه قرر الترشح لمنصب رئيس الجمهورية الأمر الذي يهدم المخطط الرئيسي للجماعة حتى بعد أن غير ابوالفتوح توجهه ساعيا لكسب الجماعة بأن صرح أنه يرى النظام الرئاسي البرلماني المختلط هو الأنسب لإدارة البلاد حاليا مما يعني أنه يحتفظ كرئيس للجمهورية بصلاحيات كبيرة وهي الخارجية والدفاع والمخابرات وقد يكون منها الداخلية وفي نفس الوقت يعطي الأغلبية البرلمانية أغلب الحقائب الوزارية وسلطة التصرف في باقي الوزارات الغير سيادية ولكن الإخوان لا أعتقد أنهم سيقبلون بهذا الطرح و سيصرون على النظام البرلماني الصرف وسيسوقون له على اعتبار أنه المنقذ للبلاد وأنه يمنع تكوين فرعون جديد وسيعلنون أن النظام الرئاسي مرفوض لأنه يفسد الرئيس ويحوله إلى دكتاتور.

لا أستطيع أن أفسر هذا التوجه إلا بأنه انتقال من دكتاتورية الفرد إلى دكتاتورية الجماعة مهما كانت الادعاءات أنهم سيشكلون حكما عادلا يرتكز إلى الشريعة فلم أسمع قط عن أن الشريعة تنص على نظام من النظم السياسية وإنما حكم الخلفاء الراشدون بنظام حكم فردي رئاسي معه مجلس شورى (سواء مستشارين أو برلمان) ولا مجال للاستشهاد بنظم حكم برلمانية ناجحة في بلاد أخرى فالثقافة المصرية مازالت ترتكز على حكم فردي وقيادة فردية و تغيير هذه الصورة يتطلب أن تتكون ثقافة سياسية حقيقية عند الغالبية العظمى من جماهير الشعب قبل طرح مثل هذا التغيير.

السعي للدولة البرلمانية –في رأيي- هو السبب الرئيسي في موقف الإخوان من رفض تسلم السلطة الرئاسية من المجلس العسكري فذلك معناه الإقرار ضمنا بوجود رئيس مؤقت يتم انتخابه أي الإقرار بالشكل الرئاسي للدولة حتى لو تم تحديد صلاحياته في إعلان دستوري ومعناه خسارة فرصة هائلة يمكن للإخوان –مع حزب النور- خلالها الاتفاق على تغيير الدستور إلى شكل برلماني بدلا من رئاسي وتسويق الدستور الجديد –كالعادة- على أنه الدستور الإسلامي المستند إلى الشريعة عند طائفة كبيرة من الشعب و على أنه الدستور الذي يخلصنا من المرحلة الانتقالية و يعد خطوة كبيرة إلى الأمام عند طائفة أخرى وهذين الطرحين يستقطبان النزعة الدينية لدى المصريين –ولو حتى ظاهريا- والنزعة للاستقرار لمن أصابه الملل والإحباط وتدهور حاله الاقتصادي ويريد أن يصوت بنعم للدستور ليتخلص من الاضطرابات السياسية والتخلص أيضا من الحكم العسكري تماما كما صوت عدد كبير من المواطنين بنعم في استفتاء التعديلات الدستورية لنفس الأسباب.

لا أرى نموذجا للدولة البرلمانية الناجحة إلا الدول التي فرض عليها هذا النظام فرضا إما للسيطرة العسكرية كما في تركيا وإما لعدم قدرة الشعب على التخلص من الحكم الملكي فقاموا بتحويله إلى ملكية دستورية كما في بريطانيا أو أسبانيا أو السويد والاستثناء البرلماني الوحيد هو في اسرائيل حيث يكون النظام البرلماني أفضل نظام للهروب من أي ضغوط قد تفرض على النظام كأن يتم الدفع إلى مفاوضات مع الجانب الفلسطيني فتقوم الأحزاب الإسرائيلية بافتعال خلافات حزبية يترتب عليها انسحاب حزب رئيسي من الحكومة وبالتبعية إسقاط الحكومة القائمة وإجراء انتخابات لتشكيل حكومة جديدة خلال 60 يوما وبذلك يتم تأجيل المفاوضات لمدة شهرين وتظهر بعدها حكومة جديدة تتنصل من كل المفاوضات والاتفاقات التي أجرتها الحكومة المنحلة وتعود المفاوضات إلى نفطة الصفر مرة أخرى فلا يمكن النظر إلى الحكومة الإسرائيلية على أنها نموذجا برلمانيا ناجحا لأنها مجرد ذريعة للكيان الصهيوني للتهرب من أي مفاوضات أو ضغوط دولية.

لا يجب أن ننسى دور القوات المسلحة فلم أسمع عن قيادة جيش في أي دولة تريد النظام البرلماني وأتوقع رفضا لأي مساع مستقبلية نحو هذا التوجه.

أخيرا إذا حاول من شاء أن يسوق فشل النظام الرئاسي على أنه نظام فرعوني فعليه أن يتذكر أن نظام الحكم في الولايات المتحدة رئاسي قوي ولا يتحول فيه الرئيس إلى فرعون لأنه تحت رقابة المحكمة العليا و قراراته يراقبها القانون والدستور وهذا القانون الأمريكي هو نفسه الذي حاكم نيكسون وأجبره على الاستقالة وهو الذي حاكم بيل كلينتون لمدة سنة تقريبا وأوشك على سحب الثقة منه إلا أنه توجه للشعب الأمريكي بخطاب "عاطفي" بكى فيه واعتذر وأنقذه ذلك من خسارة انتخابات الفترة الرئاسية الثانية.

أدعو الله أن يوفق شعبنا للاختيار السليم و يلهمنا الابتعاد عن مساوئ صراعات السلطة وأن كان المقدر لنا أن ننتهي إلى دستور برلماني سواء باختيار الشعب عن وعي أو ظنا أنه من أجل الاستقرار أو لنصرة الدين فلعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ويولي من يصلح إن صلحت النوايا.