الأربعاء، 29 فبراير 2012

مجلس الإحباط

انتهت انتخابات مجلس الشعب وظهر المجلس المنتخب في صورة ضعيفة جدا لا ترقى لتلبية أدنى طموحات المواطن الذي أدلى بصوته لترشيح الأغلبية لتمثله باعتبار أنهم "بتوع ربنا" وتمسكهم بالدين سيردعهم داخليا عن أي تواطؤ أو مصالح دنيئة وسيجعلهم يضعون الحق و رد الحقوق المسلوبة و المنهوبة والضائعة نصب أعينهم وأهم أولوياتهم.
لم يجد أغلب متابعي جلسات مجلس الشعب أيا من طموحاتهم يتحقق بل رأوا نوابا يحاورون ويناورون ويدورون في حلقات مفرغة بعيدا عن صلب أي موضوع ويتطرقون إلى موضوعات تافهة بعيدة كل البعد عن القضايا المحورية كتسليم السلطة والقصاص من المسئولين والضباط والجنود الذي ارتكبوا جرائم ومخالفات في حق الشعب على مدى عشرات السنين عموما وأثناء أيام الثورة وما بعدها خصوصا ونقل الرئيس المخلوع إلى سجن طره والأموال التي نهبها هو وعصابته وهربها إلى الخارج أو أخفاها في حسابات سرية سواء في البنوك المصرية أو في البنك المحصن (العربي الدولي) وغيرها من الموضوعات.
انغمس النواب في نقاشـات حول مشـروعية الأذان في داخل قاعة المجلس وصرخات متشـنجة تتهم مجموعات وشـخصيات سـياسـية بالعمالة لأمريكا واتهامات مرسـلة بالتخوين ونقاشـات حول كيفية توزيع أنابيب البوتوجاز لحل أزمة الغاز الطبيعي دون التطرق للحل ألأصلي للأزمة وهو منع تصدير الغاز إلى اسـرائيل رغم أنها تتفاوض على تصدير فائض الغاز المصري إلى الهند وانشـغل النواب بمعاداة أي معارض للأغلبية سـواء حول موضوعات أسـاسـية كوجود خرطوش من عدمه أو فرعية كأقوال في مسـيرة تطاولت على شـخصية أحد المشـايخ أو منصب المشـير رغم عدم اختصاص البرلمان في مناقشـة بعض هذه الموضوعات من الأسـاس.
تم  إلغاء غرامة الخمسـمائة جنيه الوهمية التي دفعت عددا هائلا من المواطنين إلى التزاحم على صناديق الانتخاب خوفا من الغرامة في ظل أوضاع اقتصادية سـيئة مع أغلب المواطنين حتى من قبل قيام الثورة بسنوات.
رغم كل مظاهر التأمين والسـيطرة على العملية الانتخابية إلا أن التصويت تم في ظل حالة اسـتقطاب حادة مع حشـد إعلامي مكثف من القنوات الدينية نحو تأييد مرشـحي الإخوان المسـلمين (الحرية والعدالة) ومرشـحي السـلفيين (حزب النور) وتم تسـخير منابر المسـاجد بقوة لاسـتغلالها في دعاية انتخابية رخيصة تهين الدور الرئيسـي للمسـاجد وتجعلها أداة إعلامية وفي ظل تراخ هائل من الجهات الأمنية تجاه الدعاية الانتخابية الكثيفة داخل اللجان الانتخابية و أمام طوابير الناخبين سـواء من أفراد يقومون بتوجيه الناخبين نحو رموز الأفراد أو القوائم أو عن طريق الدعاية المطبوعة وأجهزة الكمبيوتر المحمولة التي انتشـرت أمام جميع اللجان للدعاية الغير مباشـرة والمباشـرة.
كل هذه العوامل أدت إلى فقدان المواطن ثقته في العملية الانتخابية برمتها رغم أنها –شـكليا- بعيدة عن التزوير المفضوح الذي شـهدته انتخابات 2010 إلا أنها لم ترق إلى الشـكل الذي روج له و مدح فيه الإعلام.
النتيجة المتوقعة هي انسـحاب نحو 93% من إجمالي الناخبين وإحجامهم عن التصويت في انتخابات مجلس الشـورى ورفضها بنفس أسـلوب رفض انتخاب أغلب مرشـحي فلول الحزب الوطني المنحل الذين لم يكن أحدهم لينجح في انتخابات مجلس الشـعب لولا تحالفهم مع الحرية والعدالة أو النور. نبذ المواطنون هذا المجلس لاعتباره غير ذي قيمة ولا فائدة ولكل الأسـباب السـابقة.
بعد كل الأموال الطائلة التي أنفقت على هذا المجلس يخرج بيان الهيئة العليا للانتخابات لإعلان نتائج انتخابات الشـورى بنسبة تصويت هزيلة ولا أرى أي متابع لهذه النتائج إلا من يتمنى الخلاص منها كمن يريد أن يلقي عن كاهله حملا سخيفا تم فرضه عليه بتكلفة باهظة ومضيعة للوقت والجهد متطلعا إلى اليوم الذي ينتقل فيه إلى مرحلة انتخاب رئيس للجمهورية وإنهاء هذه المرحلة الانتقالية بالغة الطول. ولكي يكتمل مسـلسـل الهزل يقسـم النواب اليمين الدسـتورية وتتكرر الإضافات إلى القسـم "بما لا يخالف شـرع الله" وكأن هذه المجالس البرلمانية تناقش وتوافق على  المحرمات وما ينافي شـرع الله ثم يقوم أحد نواب مجلس الشـورى (من حزب الحرية والعدالة) بترشـيح نفسـه لمنصب رئيس المجلس ولا يتقدم أحد ضده ليتاح له الفوز بالتزكية إلا أنه يصر على إجراء انتخابات واقتراع على اسـم واحد فقط في مشـهد هزلي لا معنى له.
لو أن هناك نظاما انتخابيا يلغي أي انتخابات تقل فيها نسـبة التصويت عن خمس أو سـدس عدد الناخبين لتم إلغاء هذا المجلس لأن الإحجام الشـعبي الهائل عن التصويت هو في حد ذاته إقرار صريح بعدم تقبل الشـعب لا لجدوى مجلس الشـورى ولا لوجوده من الأسـاس.
ردود أفعال متابعي جلسـات مجلس الشـعب في المقاهي شـديدة الوضوح والتعليقات تنم عن إحباط متنام ومتزايد حتى أن بعض المقاهي توقفت عن المتابعة وعادت لعرض قنوات الأغاني ومباريات كرة القدم. ظهر التهكم والسـخرية من سـذاجة وسـطحية طلبات وتعليقات النواب الذين يفترض فيهم السـعي لرفعة هذا الوطن وتقدمه اقتصاديا وتعليميا خاصة عندما انبرى أحد النواب محتجا على منحة تعليمية تهدف إلى جعل تعليم اللغة الانجليزية بدءا من السـنة الثانية الابتدائية بدلا من الرابعة معتبرا ذلك مخططا مقصودا لنشـر الثقافة الغربية وتدمير الهوية العربية ناسـيا أو متناسـيا أن الغالبية السـاحقة من الشـعب تسـعى قدر اسـتطاعتها لتعليم الأطفال اللغات الأجنبية مبكرا لمواكبة التطور العلمي العالمي وأن ديننا الإسـلامي يحض على طلب العلم من المهد إلى اللحد أينما كان ولو في الصين بل ويؤجر المعلم والمتعلم على ذلك.
الصدمة شـديدة الإزعاج كانت عندما توجه أحد النواب في مسـيرة خارج البرلمان وتحدث عن تحديد مسـئولية تدهور الأحوال الراهنة مسـتخدما أحد الأمثال الشـعبية الذي تم تفسـيره مباشـرة على أنه إهانة للمشـير ثم تحدث في أحد البرامج على قناة فضائية مهاجما أحد رموز الدعوة السـلفية فقامت الدنيا في البرلمان ولم تقعد هجوما وانتفض النواب من الحرية والعدالة والنور وكأنه تطاول على أحد الصحابة أو على شـخص النبي عليه الصلاة والسـلام ورغم محاولة النائب تقديم الاعتذار إلا أنهم تكاتفوا بإصرار ليتم تحوله إلى لجنة القيم للنظر في أمر توقيع عقوبة عليه قد تصل إلى رفع الحصانة عنه وفصله من البرلمان.
تناقض هذا التصرف واختلف رد الفعل كليا إزاء نائب آخر تطاول بشـكل صريح ومباشـر على أحد رموز الثورة وألقى اتهامات جسـيمة بالخيانة والعمالة وادعى امتلاكه للمسـتندات المؤيدة لأقواله ولم يغضب أي من هؤلاء النواب الغيورين على الأخلاق التي "لا تخالف شـرع الله" ورفضهم للغيبة والأقوال المرسـلة بل وقاموا بالتصفيق لذلك النائب ومقابلة ادعاءاته بالابتسـامات وعلامات التأييد ، وعندما تقدم عدد من النواب الغير منتمين لهذا التيار الذي أطلق على نفسـه صفة "التيار الإسـلامي" بطلب محاسـبة ذلك النائب عن تطاوله بالألفاظ واتهاماته الصريحة لا الضمنية أسـوة بالمحاسـبة التي تمت للنائب السـابق كان الاسـتنكار ورفض المحاسـبة حتى عندما بلغ الأمر التصويت على إحالة النائب للمحاسـبة عن تلفظه بتلك الادعاءات تكاتفوا جميعا لمنع أي إحقاق للحق وليثبتوا اتجهاههم للكيل بمكيالين تجاه قضية أخلاقية صريحة ضاربين نموذجا صارخا لتناقض تسـميتهم ومبادئهم المعلنة مع حقيقة تصرفاتهم العملية حيال المواقف التي تتطلب مطابقة المظهر مع المخبر. انتهى الاقتراع برفض الإحالة لمكتب المجلس وابتهجوا بل وصافحوا النائب صاحب الادعاءات الحنجورية والتهم العلنية مهنئين إياه بنجاته من أي إجراء قد يتخد ضده ومعلنين دعمهم له ولو على باطل من القول.

أين الشـعارات الرنانة التي طالما تغنى بها هؤلاء النواب من السير على طريق الجنة؟ وأين الالتزام بالشريعة الإسلامية التي تنهى عن الفحش من القول وتعاقب على الغيبة والبهتان في الدنيا والآخرة؟ أين الثبات على كلمة الحق ولو على الأقربين –ناهيك عن الحلفاء السياسيين؟ أين المسميات الجميلة المستمدة من الدين الإسلامي الذي يعطي كل ذي حق حقه ويعامل فيه الناس سواسية في الحقوق؟
هذه التصرفات إساءة للدين وللمنصب ولكل من أعطى صوته لهؤلاء النواب واختارهم لقناعته أنهم سيلتزمون بأخلاق الإسلام وصفاته. هذا التناقض لا يجب أن يوجد في أي امرئ مسلم فما بال تواجده في من أعلن التزامه أكثر من غيره؟  كيف يمكن لشخص يعلن أنه يطهر سريرته ونفسه في كل يوم وكل صلاة من الذنوب والفساد أن يظهر قلبه بكل هذا السواد؟ كيف يخرج كل هذا الغل من أشخاص يتحدثون عن سماحة الإسلام ويتشدقون بأن تطبيق الشريعة بصرامة على جميع المواطنين سواسية بعدل وإنصاف سيحمي المجتمع من الانحرافات بينما هم يناقضون أنفسهم في أول اختبار لتطبيق الجزاء على أفراد منهم؟ وحتى إن افترضنا وجوب مجازاة المخطئ ، فهل تكون بهذه الحدة بينما من تطاول مثله تتم تهنئته بالنجاة من الجزاء؟

يقول تعالى: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا} (الإسراء:53)، وجعل الدعوة بالحسنى، يقول تعالى: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (النحل:125), وأمر بالقول الحسن والعدل في الناس كلهم جميعاً، يقول الله تعالى:وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً (البقرة:83)
يقول  -صلى الله عليه وسلم: "أربعٌ من كنَّ فيه كان منافقاً خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها.. إذا حدث كذب..وإذا وعد أخلف.. وإذا خاصم فجر.. وإذا عاهد غدر"  رواه الشيخان من حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما
           وفي جامع الترمذي من حديث أبي هريرة قال : قال رسـول الله - صلى الله عليه وسـلم : يخرج في آخر الزمان قوم يختلون الدنيا بالدين ، ويلبسـون للناس مسـوك الضأن من اللين ، ألسـنتهم أحلى من السـكر ، وقلوبهم قلوب الذئاب ، يقول الله عز وجل : أبي يغترون ؟ وعلي يجترئون ؟ فبي حلفت ، لأبعثن أولئك فتنة تدع الحليم فيها حيران .
          يقول ابن تيمية: إن العدل واجب في كل أحد، على كل أحد، في كل ظرف، وكل مكان وحال، والظلم محرم من كل أحد، على كل أحد، في كل ظرف، وكل مكان وحال.
اســـتقيموا يرحمكم الله واعدلوا فالله رقيب عليكم.

الجمعة، 3 فبراير 2012

كارثة بورسعيد وقرار مجلس الشعب الهزيل



البقاء لله ... لله ما أعطى ولله ما أخذ ولا نقول إلا ما يرضي ربنا .. إنا لله و إنا إليه راجعون.
اعتذر مقدما عن الإطالة والتفاصيل ولكن الصدر محتقن بالكثير من الغضب.......
مباراة الأهلي والمصري سبقها العديد من الشواهد التي تدل على تحفز جماهير الكرة في بورسعيد لعنف جماعي ضد مشجعي الأهلي وتم نشر تحذيرات على الفيسبوك وتويتر من بوادر عنف متوقعة. ليس العنف الكروي جديدا على جمهور المصري خصوصا عندما يكون اللقاء مع أحد الأندية الكبيرة التي تؤثر نتيجة مباراتها على ترتيب الدوري ولكن هذه المرة كانت التحذيرات أشد وتدل على تعامل شرس متوقع. العنف في بورسعيد كان سمة متكررة للتشجيع المتعصب للفريق ولكنه لم يسفر قط عن إصابة تؤدي إلى عاهة مستديمة أو جروح قطعية أو حالة قتل واحدة على مر عقود.
سبقت المباراة قرائن عديدة مريبة مع تراخ وتسيب أمني كامل على البوابات وإهمال جسيم لتفتيش أي مشجع .المباراة تخللتها تجاوزات عديدة ونزول متكرر من جمهور المصري لأرض الملعب دونما أي تعليق أو تحذير من حكم المباراه وظهر تجاهل عجيب من الحكم والأمن للتجاوزات.كل الشواهد كانت تدل على كارثة مدبرة ومرتقبة ولكن لا يتوقع أي متابع أن يسفر الأمر عن أكثر من شغب قد يؤدي في أسوأ حالاته إلى عدة إصابات وكدمات يمكن تجنبها عن طريق الكردون الأمني الذي ينتشر عادة في نهاية أي مباراة لفصل اللاعبين والمشجعين عن بعضهم البعض.
وحانت لحظة الكارثة ورأينا جميعا المشهد المخيف من انطلاق مايقرب من ألفي شخص إلى أرض الملعب بمجرد إطلاق صافرة الحكم معلنا نهاية المباراة ومنهم نحو 500 شخص من جميع الاتجاهات منطلقون بسرعة شديدة بهدف محدد حاملين عصي وأدوات حادة ومتجهون نحو فرقة ومشجعي الأهلي لا لشئ إلا الاعتداء عليهم ومعهم مايزيد عن ألف آخرين نزلوا إلى الملعب لمجرد ان "الكل ينزل" و وقفوا يشاهدون ما يحدث في غياب تام لأي رد فعل من قوات الأمن المتواجدة بالملعب بل وإفساحهم الطريق لكل من شاء النزول إلى الملعب وزادت الكارثة بانقطاع التيار الكهربي عن الملعب واتضح أن كل المعتدين يحملون كشافات ضوئية مما يؤكد استعدادهم للجريمة وتنسيق أركانها.
ما كان يحدث هو جريمة كاملة تم وصفها من قبل العديد من الشهود العيان والناجين بأنه مذبحة لكل مشجعي الأهلي واعتداء بغرض القتل من قبل أشخاص محترفين وبلطجية متمرسين هدفهم تصفية المشجعين وسرقة متعلقاتهم والتأكد من موتهم بإلقائهم من أعلى المدرجات وكسر رقابهم والإجهاز على من أصيب والتأكد من موته.
كان موقف الأمن شديد السلبية بل إن أحد الضباط انشغل بتسجيل الاعتداء والقتل بكاميرا تليفونه المحمول وكأنه يشاهد أمرا آخر لا علاقة له به ولا بالقسم الذي أقسمه على نفسه بحماية الشعب وحفظ الأمن. بعض ضباط الأمن بدت ردودهم أكثر انحطاطا من تخاذلهم عندما صرخ أحد الجماهير في ضابط طالبا تدخله للحماية فأجابه بشماته أنكم تسبون الداخلية وتريدون الآن النجدة من الداخلية فأنقذوا أنفسكم الأمر الذي لا يدل إلا على التواطؤ أو الإهمال الجسيم.
كان يمكن تفسير ماحدث على أنه انتقام أعمى من جمهور شديد التعصب بسبب خسارة ناديه إلا أن الفريق خرج من مباراته منتصرا وبفارق ثلاثة أهداف لهدف فلا يمكن أن يكون الانتقام بسبب النتيجة. استمرت المذبحة نحو ساعة ولم يرحم القتلة صغر سن الجمهور وقتلوا الأطفال والشباب وحتى امرأة حامل في شهرها الثالث قتلوها بإلقائها من أعلى المدرج الأمر الذي يؤكد أنهم قتلة محترفون وأن هذا العنف لا يمت لعنف الملاعب بصلة.
هرب من تمكن من الخروج سريعا وساعد بعض الأهالي في إخفائهم في منازلهم خوفا من الفتك بهم وقاموا بتقديم ملابس لهم ليتمكنوا من الوصول إلى محطة القطار دون ظهورهم كمشجعي الأهلي. كل الشواهد كانت تؤدي إلى معنى واحد وهو أن هناك أطرافا في الداخلية بلغت من الشر والغل مداها وقررت إصدار حكم بالإعدام على جمهور الألتراس الذي كان له دور مهم في التصدي لقوات الشرطة في جمعة الغضب بسبب تنظيمهم ولأنهم كلهم من الشباب النشيط المفعم بالحيوية وذلك عن طريق محترفي الإجرام الذين دأب النظام السابق على استغلالهم لأغراض كثيرة كتزوير الانتخابات وفض المظاهرات وغيرها فهي تبدو بقوة أنها انتقام من أطراف داخل وزارة الداخلية.
طول أمد الجريمة وعدم تحرك أي قوات أمنية سواء من الشرطة أو القوات المسلحة لساعات تسبب في تزايد الغضب بسرعة هائلة من الملايين المتابعة للكارثة على الهواء مباشرة خاصة وأنها ليست المرة الأولي التي يتأخر فيها رد فعل المسئولين فقد سبقها التأخر في إنقاذ عبارة السلام والعبارة التي أنقذتها القوات البحرية الأردنية –ونسبت قواتنا المسلحة الفضل فيها لنفسها-  و كوارث كثيرة من قبل الثورة و بعدها.
ظهر رد فعل هزيل بعد ساعات تمثل في إرسال طائرتين لنقل لاعبي الأهلي وتم تجاهل الحالة الأمنية في بورسعيد فلم يتم إرسال أي تعزيزات أمنية من شرطة أو جيش رغم أن منطقة القنال مليئة بالمناطق العسكرية التي تستطيع أن تملأ الاستاد بأفراد مدججة بالسلاح خلال ربع ساعة الأمر الذي زاد من الاحتقان والغضب.
استقبل المشير فريق اللاعبين العائد وأصدر تصريحا من أسوأ تصريحاته مناديا الشعب أن يتصدى للشعب الذي يقوم بالشغب وهو كلام معناه كارثي ويهدد بإشعال حرب أهلية ويدعو لصدام الجماهير ببعضها و رفع يد المجلس العسكري يده عن تأمين موقف فادح إلى هذا الحد. التصريح جعل من كان متماسكا يستشيط غضبا واستنكارا وأشعل صدور عددا هائلا من الناس.
كانت الليلة من أسود ليالي مدينة بورسعيد وامتلأ الملعب بالدماء و ببكاء أمهات تبحث عن أبنائها سواء من بورسعيد أو من الأهالي الذين أسرعوا في لهفة ورعب لمعرفة مصير أبنائهم الذين كانوا هناك.
كانت كل الأنظار تتطلع إلى القصاص وإلى السلطة التي ستقوم بهذا القصاص لذلك استقبل الناس خبر انعقاد مجلس الشعب في جلسة طارئة بحبس الأنفاس وانتظار ما ستسفر عنه تلك الجلسة بينما انطلق آخرون في غضب إلى الشارع لمحاولة استنشاق بعض الهواء الذي بدا خانقا كئيبا من مناظر موت ودماء أصدقائهم وأقربائهم.
دامت الجلسة ساعات طوال وكانت عبارة عن سجالات كلامية لا ترقى لمستوى حادث تصادم عدة سيارات بسبب إهمال إشارة مرورية. انبرى بعض الأعضاء متحدثا عن ذكرياتهم في داخل سجن طره و وصفه وآخرون أسهبوا في تحميل "جمهورية طره" المسئولية عن كل الأحداث التي تسبب الاضطرابات في البلاد لم نسمع أي صوت من تيار الأغلبية يحمل أي مسئولية عن الكارثة للمجلس العسكري الذي بيده مقاليد الأمور وتم جعل وزير الداخلية كبشا للفداء ولم يتجرأ أي من هؤلاء الأعضاء على ذكر اسم المشير في مسئوليته عن تأمين البلاد ولا مسئوليته السياسية عما حدث وعما قاله في تصريحه الغريب.
هاجم عدد قليل جدا من النواب المجلس العسكري –وكلهم لا ينتمون للأغلبية- وحملوهم المسئولية المباشرة عن التأمين وعن سوء إدارة حكم البلاد وإهمال شئون كثيرة أدت إلى تدهور حالة البلاد الأمنية والاقتصادية وعلى رأسها إعادة هيكلة وزارة الداخلية.
تعددت المطالبات من إقالة الحكومة إلى إقالة وزير الداخلية إلى تغيير النائب العام إلى تفريق سجناء طره وغيرها وتوالت كلمات النواب ساعات طوال وانتظر ملايين المتابعين طويلا لحظة تلاوة البيان الختامي للمجلس.
جاءت اللحظة الحاسمة وكان البيان النهائي هو قرار بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق لدراسة ما حدث وإصدار تقرير عن الكارثة ورفعت الجلسة على أن تنعقد يوم الإثنين التالي أي بعد أربعة أيام من الجلسة التاريخية.
السلطة الوحيدة المنتخبة انتظر منها الملايين أن تصدر قرارا كبيرا يتناسب مع هول الكارثة.
مجلس الشعب الذي تتكون أغلبيته من التيار الإسلامي والذي انتخبه الشعب لأنه ينادي بتطبيق الشريعة الإسلامية والقصاص السريع والعدالة الناجزة لم يحمل المسئولية لرأس الحكم ولم يتذكروا قول الفاروق عمر "لو أن شاة عثرت بالعراق لسؤل عنها عمر" وما فعل بالمرأة الفقيرة التي كانت تطهو الحصى لأبنائها حتى يناموا جوعا وتقول الله الله في عمر أيلي أمرنا و ينسانا" موضحا أن رأس الحكم هو المسئول مباشرة عن جوع الرعية وحتى عن طريق غير ممهد تتعثر فيه شاة ولكن لم يحملوا رأس الحكم مسئولية قتل 76 من شباب في عمر الزهور.
ماذا ينتظر الجمهور الغاضب إذا؟ ماذا يفعل من فقد أخاه أو صديقه أو جاره ولم يجد من يمثله  في المجلس يطالب بحقه سوى بكلام هزيل تكرر مرات ومرات من حكومات المخلوع وفي أحداث كارثية أخرى كالدهس أمام ماسبيرو والاعتداء على اعتصامات التحرير ومجلس الوزراء؟ كيف يمكن امتصاص هذا الغضب العارم والاحتقان الهائل ولا يوجد قرار واحد يبرد القلوب ويشفي الصدور؟ كيف تطالب من فقد عزيزا بضبط النفس والهدوء وهو لا يجد سوى برود وفتور يقتلانه كمدا وغيظا؟ ضاقت الصدور وغلت الدماء في العروق  وخرجت الآلاف الغاضبة إلى الشارع لأن مجلس الشعب بقراره الهزيل أصابهم بخيبة أمل وإحباط شديدين. أهؤلاء الذي انتخبناهم ليحقوا الحق ويطالبوا بالقصاص؟ أهذا المجلس حقيقة يعبر عن آلامنا؟ أهذا البيان يحقق ولو قدرا يسيرا مما نطمح إليه؟ كلها أسئلة لم تجد جوابا سوى التحرك التلقائي إلى المكان الذي تنفسوا فيه الحرية.. إلى ميادين الثورة في القاهرة والسويس والاسكندرية وباقي مدن الجمهورية.
ذهبت الآلاف في غضب تعلنه دون مطالب مكتوبة ودون دعوات ودون اتوبيسات تقلهم من هنا وهناك لتحشدهم. الكل خرج رافضا رأس السلطة وغاضبا من التخاذل وهوان حياة المواطن على هذه السلطة. ذهب الشباب الثائر ليصب غضبه ويعلن الاحتجاجات أمام رموز السلطة المسئولة عن حدوث هذه الجريمة البشعة وهما وزارة الداخلية و وزارة الدفاع. الداخلية هي المسئولة عن قطاع الأمن المركزي والأمن العام والمباحث وكلهم يتحملون مسئولية تأمين الملاعب ولم يفعلوا شيئا تجاه عدد هائل من البلطجية المسلحين  يقتلون جماهير مسالمة أمام أعينهم. المجلس العسكري هو المسئول الأكبر لسيطرته على جهاز المخابرات والإعلام وكان يمكنه منع الكارثة عند استشعار بوادر وأمارات الخطر بتأجيل أو إلغاء المباراة أو حتى نقلها وحتى عندما نطق رئيس المجلس (المشير) بتصريحه تسبب في صدمة هائلة لكل من سمعه. مجلس الشعب كان الملاذ الأخير لأنه يفترض أنه يعبر عن نبض الجماهير ورأي الشارع ولكن يبدو أن حسابات السياسة لا تهتم كثيرا بحياة الأفراد إلا في السجالات الكلامية ويتم تشتيت محور الحديث إلى طرف ثالث مجهول أو مساجين طره أو تحمل المسئولية لأحد المسئولين ككبش فداء دون المساس بالمصالح السياسية والأهداف الخاصة. 
هل يتصور عاقل أن "جمهورية طره" تعمل عن طريق تسخير الجان مثلا؟؟؟ هل يمكن أن يخططوا لكارثة بهذا الحجم دون وسائل اتصال وتنسيق؟ إذا كانت لديهم أجهزة الكترونية تسمح لهم بالتواصل والتنسيق والتمويل فمن سمح لهم بكل هذا الترف؟ أين دور المجلس العسكري الذي يملك الأمر بعزل هؤلاء عن الحياة العامة بشكل كامل؟ أين القوات المسلحة التي طالما تباهت بقدرتها على تأمين لجان الانتخاب بطول الجمهورية وعرضها؟ أين المخابرات التي تستطيع تصوير بعض الشباب أثناء لف سيجارة وتسريب الفيديو لمن يدعي على الفضائيات أنها سيجارة مخدر (وكأنه حلل محتواها بنفسه) في اعتصام مجلس الوزراء؟ أين الأمن الوطني الذي يتتبع الاتصالات ويراقب المؤامرات لإجهاضها قبل حدوثها؟ أين أجهزة الرقابة والأمن القومي من المتواطئين مع نزلاء طره أو المفسدين خارج طره سواء داخل الداخلية أو خارجها؟ ثم كيف يترك القاتل الأكبر في مستشفى شديد الفخامة يتمتع بأعلى مستو من الرفاهية و زوجته التي عاثت في الأرض فسادا معه مطلقة السراح حرة في إجراء الاتصالات وتحريك الأموال؟ أين التصرف السريع في إنقاذ الكارثة الذي كان يجب أن يتخذه قادة الوحدات العسكرية المحيطة ببورسعيد والاسماعيلية والسويس؟ كيف تجمعت كل هذه العوامل من الفشل والإهمال والنسيان وعدم التنسيق الأمني والإداري سويا حتى سمح لفئة مجرمة أن ترتكب أبشع جريمة تشهدها ملاعب مصر؟ 
كل هذا التخبط والفشل انفجر في صدور الشباب فتوجهوا إلى رموز قوى السلطة المسئولة عنه. ماذا كان رد الفعل؟ لا جواب !!! نفس منطق التعامل الأمني من إطلاق الغازات المسيلة للدموع... نفس الادعاءات القديمة والمتكررة من تعمد المتظاهرين الغاضبين محاولة تدمير وزارة الداخلية. لماذا لم يتم إقامة سد من الأسلاك الشائكة أمام مداخل وزارة الداخلية ويترك المتظاهرون ليهدموا الجدار السخيف الذي يسد شارع محمد محمود للتنفيس عن طاقة غضبهم مع اتخاذ خطوات حقيقية تهدئ الصدور وتشفي الغليل؟ الحماسة تبلغ بالبعض الرغبة في اقتحام وزارة الداخلية ولكن هذا التفكير يهدأ بمجرد صدور قرار حاسم محق ومنصف للدماء التي سالت فلماذا هذا التعنت والعناد؟؟؟ الجواب ببساطة لأن العقلية لم تتغير والنظرة إلى الشارع لم تتغير وتعتبرأنهم مجرد فوضويين ومشاغبين ولا يجب التعامل معهم إلا بالقوة والتفريق بالغاز والخرطوش. آلاف حالات الاختناق بالغاز وأرواح جديدة تزهق بالخرطوش والرصاص وبلغ التخبط دهس أحد ضباط الجيش بمدرعة أمن مركزي الأمر الذي يؤكد الفشل الذريع حتى في التعامل الأمني الذي قرروه.
لا يستطيع أحد أن يمنع الغاضبين من التنفيس عن غضبهم ولكن يمكن امتصاص هذا الغضب بقرار صائب. كان بإمكان مجلس الشعب تجاوز اللائحة وتشريع نص جديد أو المطالبة بقرار ثوري يتناسب مع هول الحدث وكان يمكن المطالبة بمشروع إعلان دستوري مختصر سريع لنقل السلطة إلى سلطة مدنية منتخبة ولكن كل من له حسابات خاصة لا يريد أن يتجاوز رغبة حزبه أو أطماعه الشخصية وفضل الحديث بكلام لايسمن ولايغني من جوع. كل الغاضبين فاض بهم الكيل ورفضوا الحكم العسكري فلا يبدو هناك مخرج من هذا العبث والفشل سوى بقرار حاسم لكيفية تسليم السلطة بأسرع ما يمكن.
هل من قرار؟ هل تصحو الضمائر بدلا من تساقط الشهداء ومئات المصابين كل ساعة في مختلف المدن؟ هل من عاقل يحقن الدماء؟ هل من مجيب قبل أن ينفجر الموقف أكثر نخسر أرواحا أكثر وندخل في فوضى؟
اللهم احقن دماءنا وارحم موتانا واشف مصابنا و ول علينا خيارنا ولا تول علينا شرارنا ولاتؤاخذنا بما فعل السفهاء منا ولا تسلط علينا من لايخافك فينا ولا يرحمنا واجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا واقصم كل ظالم ومنافق واجعلنا اللهم من الراشدين.