السبت، 22 سبتمبر 2012

الفيلم المسئ للرسول الكريم


قامت الدنيا فجأة عندما قام شـخص يدعي أنه يمثل أقباط المهجر المصريين بإعلان أن أحد الأفلام المحتوية على مشـاهد مسـيئة لرسـول الله صلى الله عليه وسلم سـيعرض في دور سـينما الولايات المتحدة في ذكري 11 سـبتمبر ويحمل اسـما عن الإسـلام. الإشـارة واضحة وهي إلصاق شـئ ما متعلق بالإسـلام بالجريمة الإرهابية التي وقعت في ذلك التاريخ وتم إلصاقها إلى تنظيم القاعدة دون تحقيقات واضحة ثم تم إلصاق تهمة الإرهاب إلى المسـلمين جميعا ونعلم جميعا ما تبع ذلك من أحداث دمرت أفغانسـتان ودمرت العراق ونهبت آثاره وبتروله وثروات هائلة من دول الخليج ثمنا لهذه الحرب.
رغم وضوح المقصد اللئيم إلا أن أحد القنوات الفضائية "الإسـلامية" انبرت وعرضت مقاطع من الفيلم وكأنها بذلك تدافع عن الإسـلام وسـيرة الرسـول عليه الصلاة والسـلام. لم يكن من أنتج الفيلم يطمع في دعاية أكبر من هذه الحماقة فردود الأفعال الغاضبة فاقت رغبته في أثرها. عمت المظاهرات عددا كبيرا من الدول الإسـلامية وبعض الدول غير الإسـلامية التي بها جاليات مسـلمة مسـتاءة من محتوى الفيلم. إلا أن الأمر لم يقتصر على المظاهرات بل تطور بسـرعة إلى اشـتباكات أدت إلى إصابات وخسـائر مادية وبشـرية.
تزامن الغضب مع تربص جماعة مسـلحة بالسـفير الأمريكي في ليبيا وقتله بقاذفات مضادة للدبابات وتم دمج الاغتيال مع مظاهرات الاحتجاج أمام السـفارة الأمريكية في ليبيا ليصبحا حدثا واحدا.
تزايدت حدة الاشـتباكات خاصة في مصر رغم إصدار كافة الجهات المعنية بيانات اسـتنكار لمحتوى الفيلم بدءا من الجهات الرسـمية المصرية والأمريكية وحتى ممثلو أقباط المهجر وتفاصيل أخرى كثيرة بعضها مثير للسـخرية في دول كالسـودان وإيران. انتهى الأمر إلى إصابات واعتقالات وتشـويه حاد لصورة المسـلمين والإسـلام نفسـه لأسـباب عديدة.
رغم كل النتائج السـلبية قامت مجلة مغمورة فرنسـية بالإعلان عن اعتزامها نشـر رسـوم كرتونية تسـئ للرسـول عليه الصلاة والسـلام مسـتفزة المسـلمين مرة أخرى إلا أن ردود الأفعال جاءت أقل بكثير جدا من سـابقتها وظهرت احتجاجات منظمة هادئة ومنضبطة بلا تجاوزات ولا طيش ومر الأمر بسـلام سـواء في مصر أو السـودان أو غيرها.

الأسـئلة كثيرة وإجاباتها متشـابكة وتحتمل العديد من الأوجه.
1-               من الجهة الرسـمية منتجة الفيلم؟
2-               من المخرج ؟
3-            هل تم إنتاج الفيلم بتصاريح ومراجعة من جهات رسمية أمريكية مسئولة عن المحتوى؟
4-               هل تم فعلا عرض الفيلم في السـينما؟
5-               ما صلة ذلك الذي يدعي أنه يمثل أقباط المهجر بالفيلم؟
6-              من السـبب في انتشـار الفيلم الذي عرض أصلا في يوليو على الانترنت ولم يهتم به أحد؟
جميع هذه الأسـئلة ظهرت لها إجابات متعددة عبر وسـائل الإعلام الرسـمية والخاصة وتكونت صورة شـبه واضحة عن هذا الأمر ولكن يبقى سـؤالان في منتهى الأهمية لم يظهر لهما إجابة محددة:
أولا:    من المسـتفيد من كل هذا الاسـتفزاز المتعمد للمسـلمين؟
ثانيا:  لماذا اختلف رد الفعل كلية تجاه اسـتفزاز المجلة الفرنسـية رغم أنها نفس الإهانة وفي نفس التوقيت؟

أرى بعض الأفكار التي تؤدي بالقطع إلى الانغماس في نظرية المؤامرة ولكني سأذهب إلى أبعد منها بافتراضات قد يصيب بعضها وقد يخطئ ولكن لا بد من محاولة قراءة المشهد بعيدا عن الانفعال.

تقفز فورا إلى الأذهان الأحاديث المكررة والمبتذلة عن مخطط تقسـيم مصر ومحاولة ذلك الشخص المدعي تكوين مايشـبه الكيان القبطي الذي يهدف إلى تقسـيم مصر إلى دولة قبطية وأخرى إسـلامية مع تصريحات تنضح بالكراهية والغل وحب الظهور والتعطش للسـلطة وطلبه من الولايات المتحدة احتلال مصر لما أسـماه "إنقاذ الأقباط المضطهدين في مصر من بطش المسـلمين". ورغم أن هناك بالفعل تصرفات سـيئة لا تمت للإسـلام بصلة توجه ضد بعض الأقباط في بعض الأحداث السـيئة إلا أنها تنتج عن ضعف الأمن أو انعدامه ولجوء الأهالي إلى حلول قبلية جاهلية يتم حشـر رموز الدين فيها حشـرا لإضفاء شـكل ما من الشـرعية عليها إلا أنها لا تمثل اتجاها عاما لاضطهاد المسـلمين للأقباط بل هي تجاوزات وجرائم ينبغي أن يسـود فيها القانون وليس جلسـات الصلح الظالمة والمسـيئة للإسـلام نفسـه قبل الأقباط.
قد يرى الكثيرون - وهم محقون- أن هذا الفيلم هو جزء من خطة ذلك الشـخص وأعوانه لإثارة الفتن التي تؤدي إلى أحداث عنف ضد الأقباط لمحاولة إيجاد ما يؤيد ادعاءاته. إلا أن الأمر قد يتجاوز لأبعد من هذه الحدود.
لكي نعثر على المسـتفيد يجب أن نحدد مصدر التمويل ولا أعني هنا تمويل إنتاج هذا الفيلم الهزيل بل ما يسـتتبع ردود أفعال نشـر هذا الفيلم الفاشـل والتافه.
لا أرى توجها حقيقيا ولا جزئيا للسـعي إلى تقسـيم مصر. ولا أظن أن هناك أي جهة أو منظمة تسـعي فعلا لاتخاذ أي خطوة أو أي تحرك بدعوى منع اضطهاد معين يقع على أقباط مصر ولا حتى تركيزا على هذا الموضوع إلا من فئة أمثال ذلك المدعي.
إذن الأمر كله ضجة إعلامية قد يذهب ضحيتها بعض المصابين أو حتى الوفيات وبعض الخسـائر المادية دون هدف واضح. فلماذا لا يكون الهدف أصلا أمرا مختلفا تماما عن التقسـيم والفتنة الطائفية؟
قد يكون الفيلم المسـئ للرسـول عليه الصلاة والسـلام أحد الوسـائل التي تبرر منفعة ما وليسـت بالضرورة احتلال مصر وتقسـيمها بل قد تكون مجرد أموال. ينبغي أن نتذكر أن جورج بوش الابن اعتمد في أول شـهر بعد كارثة سـبتمبر 400 مليار دولار كميزانية للحرب على ما أسـماه "الإرهاب" وتزايدت التكاليف إلى أكثر من 2 تريليون دولار واتضح لاحقا أن الهدف ليس حربا على إرهاب ولا إقامة الديموقراطية بل كان نهبا للبترول والثروات الطبيعية وللثروة الأمريكية نفسـها عبر تمويل صناعة السـلاح.
يشـتهر الحزب الجمهوري الأمريكي بتوجهاته الحادة وميوله العدوانية لشـن الحروب والهجمات الاسـتباقية بدعوى حماية المصالح الأمريكية ويعرف بكثرة عدد الصقور فيه. من السـهل على بعض هؤلاء الصقور أن يعدوا فيلما تافها كهذا ويسـتغلوا بعض الأشـخاص الممتلئين كراهية وشـوقا للسـلطة ولو عن طريق خيانة الوطن لإحداث سـلسـلة من ردود الأفعال الغاضبة التي تعيد لأذهان الشـعب الأمريكي الذكريات الأليمة لأحداث سـبتمبر وتعيد تكوين صورة المسـلم الإرهابي الذي لا يفكر إلا في القتل والعدوان وبتمويل بعض العناصر يمكن دفع الأمور للانفجار وإحداث بعض الخسـائر البشـرية والمادية التي تؤيد هذه الصورة المغلوطة. هذا الضغط قد يمكنهم من تحقيق الفوز لمرشـحهم رومني مقابل الرئيس الحالي أوباما وقد يكون أثره المادي كافيا.
لكي ينجح مخطط كهذا ينبغي أن يتم تمويل من ينفخ في نار هذه الفتنة من العملاء الموالين للمخابرات الأمريكية وهؤلاء قد يكونوا إعلاميين يتخيلون أنهم يدافعون عن الدين وقد يكونوا مدركين أنهم يزرعون الفتنة غير مبالين بمن يذهب ضحيتها. يظهر في الصورة شـيخ يمزق الإنجيل ويهدد بتدنيسـه ردا على إسـاءات الفيلم. يظهر إعلاميون لا هم لهم إلا زيادة الاحتقان في الفضائيات وعلى الصحف الورقية والالكترونية كما تظهر أعداد من الشـباب منهم الغاضب بسـبب الفيلم ومنهم من أصيب بالإحباط من تدهور أحوال المعيشـة والبطالة والغلاء ومنهم من أراد الانتقام من الأمن المركزي عدوه التقليدي في كل مظاهرة أو مسـيرة.
لماذا لا تكون احدى إدارات المخابرات الأمريكية هي التي أنتجت هذا الفيلم كمشـروع لإثارة البلبلة بهدف تخويف الرأي العام الأمريكي الأمر الذي يتبعه اعتماد ميزانية ضخمة للمخابرات لتمويل مشـروعاتهم لرقابة "الإرهاب الجديد"؟؟؟ هذه الميزانيات تكون مبالغ هائلة تنفق بشـتى الأسـاليب ويراقبها أعضاء كبار في الكونجرس قد يكونوا هم أنفسـهم سـبب الأزمة وقد يكونوا المسـتفيدين ماديا من طرق إنفاقها بشـكل وهمي.
لم يحدث أي من كل هذا أمام السـفارة الفرنسـية رغم أنها نفس الإسـاءة ورغم أن تأمينها أضعف من الأمريكية بل ظهرت مجموعات شبابية وشيوخ يقفون باحترام ويعربون عن اسـتيائهم بطريقة حضارية ودون اشـتباكات أو حتى حرق العلم الفرنسـي كما حدث مع العلم الأمريكي. هل لأن المخابرات الفرنسـية لا تمول التظاهرات؟ هل لأن هؤلاء الإعلاميون لن ينالوا الشـهرة إلا إذا هاجموا الحكومة الأمريكية؟ أم أنه حب الظهور والاسـتعراض في مشـهد تمثيلي تحت الأضواء حول السـفارة الأمريكية ويغيب عن السـفارة الفرنسـية لقلة الاهتمام الإعلامي؟؟؟ هل إهانة الرسـول عليه الصلاة والسـلام لا تثير الغضب الشـديد إلا أمام الأضواء والإعلام الأمريكي؟ أم أن تهويل الأمر واسـتغلاله صادف هوى من يريد الظهور كمدافع عن الإسـلام ليتمكن هو الآخر من تمرير أمور تخدم مصالحه كدسـتور معيب أو مشروعات اقتصادية لا يلتفت إليها في توتر الأحداث أو مكاسـب سـياسـية مخادعة للمواطن البسـيط الذي قد تختلط عليه –مجددا- صورة من يخدم الوطن مع من يدعي حماية الدين.
لا يوجد في السـياسـة والأعمال الدنيئة المرتبطة بها ما هو مسـتبعد والأمثلة عبر التاريخ كثيرة لا حصر لها.