الأحد، 29 يناير 2012

موقف الإخوان من الميدان والدولة البرلمانية



على مدى أكثر من أسبوعين استمرت التحضيرات والاستعدادات والدعوات لنزول الشعب بكل أطيافه إلى الميادين بمناسبة مرور عام على الثورة والمطالبة بتحقيق المطالب الأساسية والتي لم يتحقق منها سوى خلع رأس النظام وحبس المعاونين الأساسيين له وإحالتهم إلى المحاكمة والتي تابعتها الجماهير بإحباط وغضب تدريجي متزايد إلى أن بدأت الصورة تتضح  أن عريضة الاتهام والأدلة المقدمة والإجراءات كلها ستفضي إلى احتمال الوصول إلى أحكام براءة أو على أحسن التقديرات أحكام تافهة لا تتناسب إطلاقا مع كم الفساد وحجم الجرائم التي ارتكبت خلال العقود الثلاثة الماضية والتي تفجرت خلال أيام الثورة الأولى.

أعلن البعض عزمهم النزول صراحة على صفحات المواقع الالكترونية واحتفظ البعض الآخر برأيه لحين التنفيذ واجتمعت كل التيارات التي اشتركت في الثورة على النزول للتأكيد على المطالب مجددا والمطالبة بنقل السلطة من المجلس العسكري إلى سلطة مدنية منتخبة سواء من مجلس الشعب أو عن طريق اختيار أعضاء مجلس الشعب.

أعلن الإخوان المسلمين عزمهم النزول إلى ميدان التحرير وميادين المحافظات الرئيسية للاحتفال بمرور عام على الثورة عكس كل ما كانت تتوقعه الجماهير الأمر الذي أثار حفيظة التيارات السياسية وجماهير الشعب الغير منتمية إلى أي تياروالغاضبة بسبب تخبط الإدارة والأسلوب العسكري في إدارة الأزمات الذي أدى إلى وقوع العشرات من الشهداء والمصابين.
رفضت الجماهير إقامة أي منصة سواء حزبية أو خاصة بأي مرشح رئاسي محتمل ورغم ذلك أقام الإخوان منصة عظيمة مجهزة بمكبرات الصوت وأصروا على التمسك بمظاهر الاحتفالية رغم الاعتراضات المتزايدة.

تزايد الاحتقان وظهرت بوادر فرقة حقيقية رغم أن نسبة كبيرة من المتواجدين في الميادين تطالب بتسليم السلطة لمجلس الشعب الذي حاز فيه الإخوان الأغلبية مما يعني أن الشعب وضع الثقة في الإخوان لإدارة المرحلة الانتقالية ولكن ليس معنى هذه الثقة أن يتحول اليوم الذي يحمل ذكرى استشهاد نحو ألف من أبناء هذا الوطن إلى احتفال وأناشيد وما يسمى بالإنجاز فلم يحدث أي إنجاز حقيقي سوى للإخوان بأن تمكنوا من الترشح بحرية في الانتخابات والفوز بالأغلبية ورغم أن هذا ليس أمرا مكروها رغم كل ما شاب العملية الانتخابية من مخالفات صارخة إلا أنه لم يكن أصلا من أهداف الثورة التي أخرجت هذا الشعب غاضبا منذ عام.
منعا للاحتكاك في التحرير أقامت حركة شباب 6 ابريل منصة مقابلة لترديد الهتافات التي أعلنتها كل المسيرات. نفس الهتافات تكررت في كل المدن والمسيرات التي توجهت لجميع ميادين التحرير في أنحاء البلاد وعلى رأسها المطالبة بإسقاط حكم العسكر ومعها باقي مطالب الثورة الأصلية.

أصر الإخوان على التمسك بنفس الموقف والرد على الهتافات المنتقدة التي اتخذت شيئا فشيئا الشكل العدائي برفع صوت السماعات إلى أقصاه بالقرآن الكريم الأمر الذي استفز الجماهير أكثر وأكثر حتى بلغ الأمر رفع الأحذية أمام منصة الإخوان عندما هتفت بأن الجيش والشعب يد واحدة لأن أصواتهم واحتجاجاتهم لم تصل إلى المنصة بسبب الارتفاع المزعج للصوت فكان الرد باحتجاج مرئي بدلا من الهتافات المضادة.

فقد بعض الشباب أعصابهم وقاموا بسب شباب الإخوان الذين أقاموا درعا بشريا حول منصتهم وتزايدت الشتائم ونبرة التخوين بعنف. التزم شباب الإخوان بالصمت وعدم الرد على هذه الشتائم بشتائم مقابلة أو بالعنف لمدة طويلة –وهذا يحسب لهم- ولكنهم استمروا في نفس أسلوب الاستفزاز الغير مبرر في الهتافات ورفع صوت القرآن.

حدث موقف بغيض من أحد الأشخاص بأن ألقى زجاجة بها بول على منصة الإخوان ولكن لم يصل الأمر إلى الاشتباك إلا بعد فترة طويلة وكان عند شارع محمد محمود ولم يستمر إلا لدقائق تمالك بعدها جميع الأطراف أعصابهم وبدأت محاولات من عدة أطراف لتهدئة الأمور خاصة وأن الجماهير لم تنزل لتعادي الإخوان أساسا بل للمطالبة بتسليم السلطة من المجلس العسكري إلى سلطة مدنية منتخبة.
مر اليوم بسلام رغم كل الاحتقان لإدراك الغالبية العظمى من الجماهير أن التفرق يفسد الهدف الأساسي وتجنبهم العنف ولتماسك شباب الإخوان أيضا مع أنهم استمروا في الهتافات الاستفزازية وكذلك مرت الأيام التالية.

ينبغي أن نتذكر أن ما أشعل أزمة بين الشرطة وأفراد الألتراس في أحد المباريات كان أيضا إلقاء البول على الجنود وهو نفس الموقف الذي ادعته قيادات الشرطة يومئذ وقد يكون أحد المندسين الذي يحاول زرع الفتن بهذا التصرف الحقير

والسؤال الآن ... ما تفسير هذا التصرف الغريب من الإخوان؟ وما الداعي لكل هذا التمسك بالمجلس العسكري رغم كراهيتهم المعروفة للحكم العسكري ؟

يجب أن نراجع بعض المواقف للإخوان من الثورة وما بعد خلع الطاغية وبعض الحقائق لنحاول الوقوف على تفسير هذا الموقف.

الإخوان فصيل سياسي هدفه –كأي فصيل سياسي آخر- الوصول للسلطة والسيطرة على الحكم.

الإخوان أكثر الفصائل تنظيما ويرجع ذلك للخبرة الطويلة والدعم المادي الكبير من تبرعات الأعضاء ومن الخارج.

الإخوان من الفصائل التي تضررت بشدة من النظام الأمني الشرس وخاصة خلال فترة وزارة حبيب العادلي وأسلوبه القاسي من اعتقالات وتعذيب ممنهج.

الإخوان أكثر الفصائل تعاملا مع نظام المخلوع رغم إنكارهم لذلك فلم يحدث أن حصل أي فصيل سياسي على هذا الكم من التمثيل في البرلمان في عام 2005 تحت مسمى "المستقلين" رغم أن النظام كان بإمكانه تحجيم بل ومحو فرصهم في الفوز بتلك الانتخابات.

شباب الإخوان صمدوا وأثبتوا وجودهم في موقعة الجمل (ولم يكونوا وحدهم طبعا بل كانت معهم جميع أطياف الشعب)ومنهم من رفض تعليمات مكتب الإرشاد ونزل بداية من 25 يناير 2011 ولم تعلن قيادات الإخوان النزول إلا صباح جمعة الغضب وكان بصفة فردية وكان بصفة رسمية كاملة صباح موقعة الجمل.

الإخوان ليسوا فصيلا خائنا بل على العكس كلهم وطنيون ولكن أهدافهم الرئيسية ليست نفسها الأهداف التي أخرجت الشعب كله في ثورته.

الإخوان أول فصيل سياسي قبل الجلوس مع عمر سليمان حين كان نائبا للمخلوع وعندما وجدوا أن اللقاء لن يحقق لهم المصلحة المرجوة أنكروا أنهم تقبلوا هذا الاجتماع إلا من منطلق معرفة كيف يفكر العدو والاستماع إليه رغم ما تردد لاحقا أنهم أجروا لقاءا آخر في نفس المساء مع عمر سليمان وأن منهم من سافر فورا إلى واشنطن لدراسة المرحلة الحرجة في ذلك الوقت مع الإدارة الأمريكية.

الإخوان تخلوا عن جميع محاولات الحشد بدءا من جمعة 8 يوليو وهاجموها واعتبروها جمعة الوقيعة  وقاموا بحشد كبير من المحافظات يوم 29 يوليو وكأنه استعراض قوة وإعلان تواجد مكثف لكن دون المطالبة بأي من مطالب الثورة أصلا وانحصرت المطالبة في مطلب رئيسي وهو الحفاظ على الهوية الإسلامية للدولة رغم أن هذا الأمر لم يكن موضع نقاش أصلا.

الإخوان رفضوا النزول لمساندة الاعتصامات والمظاهرات التي صاحبتها أحداث محمد محمود و مجلس الوزراء وقدموا مبررات كثيرة لعدم النزول لا أعتقد أنها أقنعت غير أعضاء الإخوان أو المتعاطفين معهم.

لا توجد ديموقراطية داخل الهيكل التنظيمي للإخوان بشكل حقيقي والقرارات تكون بين مكتب الإرشاد ومجلس شورى الجماعة وآراء شباب الإخوان ليس لها وزن حقيقي إذا تعارضت مع خط السير الرئيسي للجماعة أو إذا كانت تتضمن أي قدح أو انتقاد لأفراد مكتب الإرشاد أو الشورى سواء لشخصه أو لمواقفه.

إذن ما السبب في التعارض الكبير بين قرارات الجماعة وبين الجماهير التي تطالب بإصلاحات أو بتسليم سلطة أو غيرهما من مطالب ثورية صرفة؟

يتضح شيئا فشيئا أن السبب الرئيسي هو أن الجماعة ترى أنها ينبغي أن تسيطر على السلطة بشكل كامل لكي تتمكن من تغيير مسار البلاد إلى ما يرونه أفضل و أصلح وهذه السيطرة لن تكون عن طريق الحصول على الأغلبية البرلمانية وإنما عن طريق السيطرة على الوزارة والتحكم تماما في موارد الدولة –وليس هذا عيبا إن صلحت النوايا ولكنه صراع حقيقي على السلطة.

بمعنى أبسط الإخوان يريدون الدولة البرلمانية لأنها النظام الذي يشكل فيه حزب الأغلبية الحكومة وهذا هو السبب الرئيسي لحفاوة الإخوان بزيارة رجب طيب أردوجان الشهيرة وترديد مقولة أن النموذج التركي هو أنسب نموذج لإدارة البلاد وبمجرد إعلانه أن نموذج إدارته يعتمد على العلمانية أظهر الإخوان غضبهم واعتبروه تدخل سافر منه في شئون مصر في حين حاول البعض تبرير مقولته بأن العلمانية مفروضة عليه لأن النظام التركي لايمكن أن يسمح بفوز حزب إسلامي في البرلمان.

الهدف من الدولة البرلمانية هو نفسه السبب الذي جعل الإخوان يعلنون أنهم لن يرشحوا أي من أفراد الجماعة لمنصب رئاسة الجمهورية لأنهم أصلا يريدون أن يكون منصب الرئيس هامشيا وصلاحياته محدودة جدا وتكون الصلاحيات الحقيقية مقسمة عليهم لأنهم يريدون تشكيل الحكومة و توزيع الحقائب الوزارية ليكون هناك نحو ثلاثين رئيسا للدولة الأمر الذي يضمن السلطة لقياداتهم جميعا.

السعي  للدولة البرلمانية  هو الذي جعل الإخوان يهاجمون بشراسة أحد أبرز أعضاء الجماعة وهو الدكتور عبد المنعم ابو الفتوح لأنه قرر الترشح لمنصب رئيس الجمهورية الأمر الذي يهدم المخطط الرئيسي للجماعة حتى بعد أن غير ابوالفتوح توجهه ساعيا لكسب الجماعة بأن صرح أنه يرى النظام الرئاسي البرلماني المختلط هو الأنسب لإدارة البلاد حاليا مما يعني أنه يحتفظ كرئيس للجمهورية بصلاحيات كبيرة وهي الخارجية والدفاع والمخابرات وقد يكون منها الداخلية وفي نفس الوقت يعطي الأغلبية البرلمانية أغلب الحقائب الوزارية وسلطة التصرف في باقي الوزارات الغير سيادية ولكن الإخوان لا أعتقد أنهم سيقبلون بهذا الطرح و سيصرون على النظام البرلماني الصرف وسيسوقون له على اعتبار أنه المنقذ للبلاد وأنه يمنع تكوين فرعون جديد وسيعلنون أن النظام الرئاسي مرفوض لأنه يفسد الرئيس ويحوله إلى دكتاتور.

لا أستطيع أن أفسر هذا التوجه إلا بأنه انتقال من دكتاتورية الفرد إلى دكتاتورية الجماعة مهما كانت الادعاءات أنهم سيشكلون حكما عادلا يرتكز إلى الشريعة فلم أسمع قط عن أن الشريعة تنص على نظام من النظم السياسية وإنما حكم الخلفاء الراشدون بنظام حكم فردي رئاسي معه مجلس شورى (سواء مستشارين أو برلمان) ولا مجال للاستشهاد بنظم حكم برلمانية ناجحة في بلاد أخرى فالثقافة المصرية مازالت ترتكز على حكم فردي وقيادة فردية و تغيير هذه الصورة يتطلب أن تتكون ثقافة سياسية حقيقية عند الغالبية العظمى من جماهير الشعب قبل طرح مثل هذا التغيير.

السعي للدولة البرلمانية –في رأيي- هو السبب الرئيسي في موقف الإخوان من رفض تسلم السلطة الرئاسية من المجلس العسكري فذلك معناه الإقرار ضمنا بوجود رئيس مؤقت يتم انتخابه أي الإقرار بالشكل الرئاسي للدولة حتى لو تم تحديد صلاحياته في إعلان دستوري ومعناه خسارة فرصة هائلة يمكن للإخوان –مع حزب النور- خلالها الاتفاق على تغيير الدستور إلى شكل برلماني بدلا من رئاسي وتسويق الدستور الجديد –كالعادة- على أنه الدستور الإسلامي المستند إلى الشريعة عند طائفة كبيرة من الشعب و على أنه الدستور الذي يخلصنا من المرحلة الانتقالية و يعد خطوة كبيرة إلى الأمام عند طائفة أخرى وهذين الطرحين يستقطبان النزعة الدينية لدى المصريين –ولو حتى ظاهريا- والنزعة للاستقرار لمن أصابه الملل والإحباط وتدهور حاله الاقتصادي ويريد أن يصوت بنعم للدستور ليتخلص من الاضطرابات السياسية والتخلص أيضا من الحكم العسكري تماما كما صوت عدد كبير من المواطنين بنعم في استفتاء التعديلات الدستورية لنفس الأسباب.

لا أرى نموذجا للدولة البرلمانية الناجحة إلا الدول التي فرض عليها هذا النظام فرضا إما للسيطرة العسكرية كما في تركيا وإما لعدم قدرة الشعب على التخلص من الحكم الملكي فقاموا بتحويله إلى ملكية دستورية كما في بريطانيا أو أسبانيا أو السويد والاستثناء البرلماني الوحيد هو في اسرائيل حيث يكون النظام البرلماني أفضل نظام للهروب من أي ضغوط قد تفرض على النظام كأن يتم الدفع إلى مفاوضات مع الجانب الفلسطيني فتقوم الأحزاب الإسرائيلية بافتعال خلافات حزبية يترتب عليها انسحاب حزب رئيسي من الحكومة وبالتبعية إسقاط الحكومة القائمة وإجراء انتخابات لتشكيل حكومة جديدة خلال 60 يوما وبذلك يتم تأجيل المفاوضات لمدة شهرين وتظهر بعدها حكومة جديدة تتنصل من كل المفاوضات والاتفاقات التي أجرتها الحكومة المنحلة وتعود المفاوضات إلى نفطة الصفر مرة أخرى فلا يمكن النظر إلى الحكومة الإسرائيلية على أنها نموذجا برلمانيا ناجحا لأنها مجرد ذريعة للكيان الصهيوني للتهرب من أي مفاوضات أو ضغوط دولية.

لا يجب أن ننسى دور القوات المسلحة فلم أسمع عن قيادة جيش في أي دولة تريد النظام البرلماني وأتوقع رفضا لأي مساع مستقبلية نحو هذا التوجه.

أخيرا إذا حاول من شاء أن يسوق فشل النظام الرئاسي على أنه نظام فرعوني فعليه أن يتذكر أن نظام الحكم في الولايات المتحدة رئاسي قوي ولا يتحول فيه الرئيس إلى فرعون لأنه تحت رقابة المحكمة العليا و قراراته يراقبها القانون والدستور وهذا القانون الأمريكي هو نفسه الذي حاكم نيكسون وأجبره على الاستقالة وهو الذي حاكم بيل كلينتون لمدة سنة تقريبا وأوشك على سحب الثقة منه إلا أنه توجه للشعب الأمريكي بخطاب "عاطفي" بكى فيه واعتذر وأنقذه ذلك من خسارة انتخابات الفترة الرئاسية الثانية.

أدعو الله أن يوفق شعبنا للاختيار السليم و يلهمنا الابتعاد عن مساوئ صراعات السلطة وأن كان المقدر لنا أن ننتهي إلى دستور برلماني سواء باختيار الشعب عن وعي أو ظنا أنه من أجل الاستقرار أو لنصرة الدين فلعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ويولي من يصلح إن صلحت النوايا.

الخميس، 26 يناير 2012

الحشد الرائع و تسليم السلطة



تم التحضير بإتقان ليوم 25 يناير 2012 والدعوة للنزول إلى الشارع رغم الحشد الإعلامي المضاد من المجلس العسكري والتخويف المتواصل من إعلام الحرية والعدالة والجرائد المحسوبة على التيار السلفي بدءا من الهجوم لأسابيع على الاشتراكيين الثوريين و شباب 6 ابريل إلى قناع (بانديتا) وقنوات فضائية مسخرة لنشر الشائعات وبث الرعب والخوف في نفوس المواطنين لمنعهم من إبداء أي اعتراض على السياسة الحاكمة ولمنع مناقشة فكرة إسقاط حكم العسكر وتصويره على أنه لإسقاط الدولة.

ظهرت فجأة أوصاف لكائنات مخربة لا عقل لها تريد أن (تحرق مصر) وتمادى الإعلام في وصف مخطط حرق مصر إلى حد هزلي وتداخلت الأوصاف كاشفة جهل المتحدثين والكتاب فأصبح الأناركيون هم الإشتراكيون وأصبحوا ممولين من أمريكا وإسرائيل (؟) وظهر إعلام البط يتحدث –كالعادة- عن المؤامرات الماسونية وعن الخونة والعملاء والمأجورين الذي لا هم لهم إلا تقسيم مصر إلى دويلات وجلب الاحتلال الأجنبي والوصاية الدولية وبلغ الأمر اتهام شخصيات بعينها مع ذكر الأسماء صراحة بل وذكر أرقام تليفونات بعض الشخصيات المعروفة منذ بداية الثورة.

رغم كل هذا الحشد الإعلامي ومحاولات غسيل المخ المتواصلة ومحاولات تشوية صورة كل من ينتقد الغلطات الفادحة التي مر بها النظام الحاكم منذ خلع الطاغية حتى الآن إلا أن الشعب المصري أثبت عمليا أنه لا ينقصه العقل ولا البصيرة وكل ما يحتاجه هو أن تصله المعلومة مبسطة دون حجاب أو تزييف أو تغيير وظهرت كل الفئات التي تمت محاولات تشويهها في مظهر وطني جميل ومن هنا ظهرت أهمية حملات عروض كاذبون التي أوصلت لجماهير المصريين جوانب قليلة من الأحداث المريرة التي مرت بالشباب الذي حاول إبداء اعتراضه على إهمال وتجاهل حقوق الشهداء وألجرحى وأسرهم بل والاعتداء عليهم وإبداء الاحتجاج على الجرائم التي ارتكبت شهرا تلو الآخر في الميادين وأمام ماسبيرو ومجلس الوزراء وتلتها مؤتمرات صحفية وبرامج إعلامية أحادية النظرة ومنحازة إلى الجاني ولا تفعل أكثر من التصريح أن هناك ثمة تحقيقات تجرى وسوف يتم الإعلان عن نتائج تلك التحقيقات في حينها ثم لا يتم الإعلان عن شئ يذكر سوى تضليل إعلامي جديد بصور ومقاطع فيديو لأطفال شوارع أو صور حرائق مزورة ولم يتم حتى اتخاذ أي قرار بشأن إعلامي يعلن عن حريق قبل موعده بساعات وهو لم يبدأ بعد.

أعلن الشعب المصري رفضه لكل هذه الأكاذيب وأعلن أنه أصابه الملل والغضب والإحباط من هذا الأسلوب في إدارة البلاد ونزلت الملايين إلى الشارع ساخطة على إدارة المجلس العسكري للبلاد في مسيرات ضخمة تجاوزت أعدادها كل التوقعات ولم يضاهيها في كثافتها إلا كثافة الحشود في الأيام الأخيرة قبل خلع الطاغية ورغم المحاولات المستميتة لتمييع هذا الحشد وتحويله إلى احتفال "بإنجاز ما" والوعود الكاذبة بحضور مطربين وفرق رقص شعبي بل وطائرات تلقي كوبونات جوائز وما إلى ذلك من محاولات امتصاص الغضب أو تشتيت الإرادة.

ولكن يأتي السؤال الهام والهدف الأخطر وهو كيفية تسليم السلطة و وجهات النظر بخصوص ذلك التسليم.

المجلس العسكري يمثل السلطة المحافظة التي تقاوم التغيير ولا تتمتع بالمرونة ولا الاستجابة للضغوط إلا عندما تتأزم الأمور وتوشك على الانفجار الحقيقي وتحكمه العقلية العسكرية التي تتسم بصفات متعددة ذكرتها في أول مقال ولا يجيد السياسة ولا يحبها من الأساس.
قوى الشارع التي تحركت بأعداد هائلة و أيدها مئات الآلاف من السكان - الذين لم يشاركوهم في المسيرات - بالتشجيع من النوافذ وتقديم المياه والتحية هتفت لإنهاء الحكم العسكري بشكل سريع وفوري.
ظهرت مبادرة قوية لتسليم السلطة التنفيذية والرئاسة إلى مجلس الشعب فورا ولكن جاءت ردود من حزب الأكثرية برفض هذه المبادرة ورفض استلام هذه السلطة بهذا الشكل والتمسك بالجدول الزمني الذي حدده المجلس العسكري برغم كل التصريحات التي صدرت منه والتي نصت صراحة على أن انتخابات الرئاسة أولا ثم كتابة الدستور.
توارت النداءات السابقة التي كانت تطالب بمجلس رئاسي مدني وخفتت حدتها واتضح رفض كثير من الجماهير لذلك الاقتراح.

تبدو أمامنا عدة مشكلات أهمها استجابة المجلس العسكري لهذه المطالبات لأن المجلس سبق له وتعامل مع مثل هذه الاحتجاجات –وإن لم تكن بهذه الضخامة- بتجاهل مستمر ثم باختراق للجموع ثم بتضليل إعلامي وتشويه لصورة الحشود واتهامهم وأخيرا بالعنف الهائل عندما لا تفلح الأساليب السابقة.

تظهر مشكلة أخرى وهي إجماع التوجه وتوحيد الفكرة والاستقرار على أسلوب واحد حتى لا يحدث تفتيت للحشود وانقسام فيما بينهم فمن يطالب بتسليم السلطة لرئيس المحكمة الدستورية العليا أو لمجلس الشعب أو لشخص ينتخبه مجلس الشعب سواء من داخله أو خارجه أو حتى لمجلس رئاسي مدني ، كل هؤلاء ينبغي أن يتوحدوا على أسلوب و وسيلة واحدة لتحقيق الهدف الرئيسي الذي يؤدي إلى تحقيق باقي أهداف الثورة تباعا بعيدا عن الأسلوب العسكري في إدارة الشئون السياسية للبلاد وأول هذه الأهداف طبعا هو القصاص  من قتلة الثوار ومن المفسدين الذي خربوا اقتصاد وصحة الشعب المصري عبر سنوات عجاف طوال وكل جند فرعون الذين عاثوا في الأرض فسادا خلال سنوات حكمه الظالم.

لايمكن لأحد أن يتوقع ردود الفعل التي يمكن أن تصدر خلال الأيام القليلة المقبلة ردا على هذه الحشود خاصة وأنها هذه المرة لا تطالب بتحسين الاقتصاد أو المطالب الاقتصادية فحسب بل إنها تمس أخطر طلب جوهري يمكن أن يذكر في أي دولة ألا وهو تغيير الهيكل الرئيسي الحاكم من عسكري إلى مدني بعد ستة عقود من الحكم العسكري سواء الصريح أو من وراء الستار ولكن الأمر الوحيد المؤكد هو كم الإصرار المدهش والغضب المتراكم عند جماهير المصريين والتي لم تترجم كما كان يرجو البعض إلى أعمال حرق وتخريب بل ظهرت في صورة بديعة من المسيرات السلمية شديدة الطول والمفعمة بعزم منقطع النظير ولكنها متحفزة بقوة تجاه عنف متوقع و متأهبة لرد فعل قمعي شرس ولكن دون أدنى خوف. 

أهم ما يميز هذه الحشود هو توحيد الرؤية والهدف فعندما انحصر هتاف نفس الجماهير في خلع الفرعون تم التخلص منه عندما زحفت الجماهير إلى مقره وحاصرت جميع المنشآت الحيوية دون أدنى اعتداء عليها وللأسف تصوروا أن النظام قد سقط بمجرد سقوط رأس النظام و نقله إلى قصر فاخر في منتجع سياحي تحت الحماية والخدمة المميزة.

أتمنى أن تتوحد الرؤية وأتصور رؤية شخصية لما يمكن أن يحقق حلا وسطا لعله يكون سبيلا للخروج من الأزمة.

إذا وجهت الضغوط نحو المطالبة بإعلان دستوري عاجل يحدد سلطات ومسئوليات رئيس الجمهورية يعقبه فورا فتح باب الترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية لاختيار رئيس مؤقت لمدة عام واحد ويتم اختيار هذا الرئيس المؤقت بعد ستين يوما وتنتقل صلاحيات رئاسة الجمهورية إليه في اليوم التالي لانتخابه و يبتعد المجلس العسكري تماما من تلك اللحظة عن سلطات إدارة البلاد ويعود لممارسة دوره الطبيعي في حماية وتأمين البلاد داخليا وخارجيا ومساعدة الشرطة في التأمين مع الانسحاب التدريجي من هذه المساعدة خلال بضعة أشهر ويكون الجيش في هذه الحالة أحد القوى التي تحقق الأمن والحماية للبلاد وتحت رئاسة الرئيس المؤقت المنتخب.
الإعلان الدستوري سيمنع تجميع الصلاحيات الفرعونية في يد الرئيس المنتخب وبالتالي تمنع تحول هذا الرئيس المؤقت إلى دكتاتور جديد.
هذاالرئيس سيكون دوره الأساسي إدارة البلاد بشكل مدني وتكون فترة رئاسته كافية لإعداد الدستور الجديد ومناقشته مناقشة وافية يتحدد فيها مصير مجلس الشورى وتكون فترة انتقالية بناءة يحاكم فيها الفاسدون ويرد فيها الاعتبار لكل من ظلم وتظهر مصر بمظهر مستقر أمام العالم كله دون حكم عسكري ودون حالة طوارئ ولا محاكمات استثنائية الأمر الذي يؤدي قطعا إلى تدفق السياحة والاستثمارات الأجنبية والعربية وتتوج بانتخاب رئيس جديد في نهاية هذا العام -على أن لا يرشح الرئيس المؤقت نفسه في أول دورة رئاسية - وتكون وبداية حقيقية لعصر ديموقراطي جديد ونهضة شاملة للبلاد وعندئذ فقط يمكن الاحتفال بالثورة احتفالا حقيقيا.

أيا كان الاختيار النهائي الذي تستقر عليه الجماهير وأيا كان رد الفعل من قوى الأكثرية البرلمانية ومن المجلس العسكري نفسه فلا تعارض في الوسيلة إذا توحد الهدف وخلصت النية.

أدعو الله أن يستقر بلدنا الحبيب وأن يتغمد شهداءنا برحمته وأن يلهم أهلهم والمصابين وأهلهم الصبر حتى يقضي الله لهم اليوم الذي يشهدون فيه ثمرة التضحيات ويرد لهم جزءا من جميلهم وينالهم نصيبا في الخير الذي أسهموا في جلبه لمصر.

الاثنين، 23 يناير 2012

مجلس الشعب والمرجو منه



اكتمل مجلس الشعب وتم اختيار المهندس سعد الكتاتني رئيسا للمجلس. اكتمل القسم الأكبر مما يسمى "العرس الديموقراطي" ولم يتبق سوى انتخابات مجلس الشورى لكي يكتمل ذلك "العرس" وننتقل للمرحلة التي يكتب فيها الدستور الجديد ثم انتخابات الرئاسة.
ذهبت الملايين من الشعب المصري لاختيار أعضاء البرلمان في المراحل الثلاثة ولكن لم تكن السعادة الغامرة التي رأيناها في الاستفتاء ظاهرة ولا حتى على استحياء وإنما حل محلها توتر واستقطاب حاد وسجالات كلامية حتى بين أفراد الأسرة الواحدة بلغت حد قطع العلاقات التجارية بل والاجتماعية عند اختلاف وجهات النظر ودفاع كل فرد عن المرشح الذي يؤيده وينوي إعطاءه صوته الانتخابي.
بينما اعتبرت جماهير الشعب أن الانتخابات هي السبيل لبداية إقامة دولة الحرية وأنها "خطوة للأمام" اعتبر المجلس العسكري أنها علامة شديدة الوضوح أن الملايين "تؤيد" قرارات المجلس لأنه "سمح لهم" بإجراء الانتخابات الحرة و لأنه "أمن" المقرات الانتخابية كما اعتبر في تصريحات على لسان عدد من أعضائه أن هذه الملايين أعلنت التأييد الكبير للمجلس لدرجة أن المشير صرح أن هذا التأييد يرسخ بقاء المجلس مسيطرا على منصب الرئاسة ولا يمكن أن يزحزحه عن هذه السلطة إلا استفتاء شعبي على بقائه أم رحيله على الرغم من أن ذهاب هذه الملايين إلى هذه الانتخابات هو إعلان ضمني من الشعب أنه لا يريد استمرار هذه المرحلة الانتقالية ويريد التخلص من مرحلة الحكم العسكري المؤقت والانتقال إلى الحكم المدني المستقر.
سواء أرجع المجلس العسكري السبب في الإقبال على الانتخابات إلى تأييده في الحكم أو خلاف ذلك فقد اكتمل مجلس الشعب وتم انتخاب رئيسه والسؤال الآن هو ماذا يريد المواطنون من هذا المجلس.
من متابعة ردود المواطنين عند سؤالهم عما يريدون من أعضاء المجلس المنتخبين ظهرت فجوة كبيرة بين مطالب المواطنين وبين مسئوليات الأعضاء المنتخبين وأسوق فيما يلي بعض ردود المواطنين والتي وردت في أغلب القنوات الفضائية أثناء متابعة طوابير الانتخاب.
أطالب العضو المنتخب أن يستصلح الأراضي التي تم تبويرها من النظام السابق... سأختار العضو الذي يوفر لي فرص العمل ... عضو البرلمان الذي يمثلني يجب أن يخفض أسعار السلع وينقذنا من الغلاء ... الأعضاء يجب أن يلتفتوا إلى مطالب الفقراء ويوفروا التموين والاحتياجات الضرورية ... البرلمان يجب أن يضع الخطط التي تنشط اقتصاد البلد وتنهض بالدولة وترفع من شأنها ... العضو الذي انتخبه أريده أن يوفر لي مساكن رخيصة وفرص عمل عديده بحد أدنى من الأجر يغطي الاحتياجات الرئيسية لأسرتي... أريد من البرلمان أن يحاكم الفاسدين ويسترد الأموال المنهوبة التي تم تهريبها خارج البلاد... يجب أن يقوم العضو المنتخب بمتابعة اقتصاد مواطني دائرته ويراعي ربنا فيهم ولا يتخذ أي قرار يضرهم.
كل هذه الإجابات وعشرات غيرها تدور في فلك واحد خلاصته أن هناك خلطا فادحا في توجه جماهير الشعب لما يريدونه من أعضاء البرلمان. أغلب المطالب تنصب على دور السلطة التنفيذية (الحكومة) وبعضها يطالب البرلمان بالقيام بدور السلطة القضائية.
في الواقع لا يستطيع أعضاء البرلمان أن يفعلوا شيئا يذكر من كل هذه المطالب فسلطة أعضاء البرلمان تتركز أساسا على سن القوانين أو رفضها و تعديلها والرقابة على تنفيذ برامج الحكومة دون فساد أو تعطيل.
كل من كان يطالب أعضاء البرلمان بمطالب مثل ما سبق فعليه ألا يتوقع تحقيقها وأن يعلم أنه اختار أعضاءا ليمثلوه في سلطة ويطالبهم بمهام سلطة أخرى.
من يريد استصلاح أرض أو مشروعات تقدمية أو خططا اقتصادية فليطلب ذلك من مرشح رئاسة الجمهورية. الرئيس هو قمة السلطة التنفيذية وهو الذي يختار رئيس الوزراء الذي يشكل الحكومة التي يقع على عاتقها وضع الخطط والمشاريع التي تنتهي بعد صياغتها إلى البرلمان فيوافق عليها أو يرفضها.
إذن ماذا نرجو من هؤلاء الأعضاء؟ المفترض أنهم لن يقدموا شيئا يذكر سوى انتظار انتهاء انتخابات مجلس الشورى وانتظار دعوة المجلس العسكري للمجلسين للانعقاد والبدء في انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور الجديد ثم يلي ذلك انتخاب رئيس جمهورية ويقوم هذا الرئيس بتشكيل حكومة وفقط حينذاك يبدأ هؤلاء الأعضاء في ممارسة دورهم الرقابي والتشريعي المطلوب منهم والمسئولين عنه.
أعضاء هذا المجلس المنتخب لن يفعلون شيئا سوى أن يجلسون في البرلمان متفرجين على حكومة الجنزوري تقوم بدورها المؤقت في تسيير أمور البلاد.
وبما أن حزب الحرية والعدالة قد أيد حكومة الجنزوري للأشهر الستة المقبلة فلا مجال للحديث عن اقتراع سحب الثقة مثلا من هذه الحكومة لأن الحزب يمثل نسبة أعضاء في البرلمان تكفي لمنع هذا الاقتراع.
وبما أن دستور الدولة حتى اليوم طبقا لدستور 1971 أو للإعلان الدستوري يحافظ على الشكل الرئاسي للدولة وبذلك يكون رئيس الجمهورية هو المسئول عن تشكيل الحكومة فلا معنى لكل ما يثار عن أحقية الأغلبية في تشكيل الحكومة حتى يتم حسم هذا الأمر من خلال لجنة وضع الدستور الجديد.
لا أريد أن أرسم صورة متشائمة لعمل هذا المجلس إلا أنني لا أتوقع شيئا يذكر منه لأنه لا يملك أيا من الصلاحيات التي تحقق للناخبين مطالبهم فمن أدلى بصوته لصالح عضو ظنا منه أن ذلك يحقق الرخاء أو الاستقرار فعليه أن ينتظر الانتهاء من وضع الدستور الجديد. الطريف في هذا الدستور أنه بمجرد إقراره سيصبح هؤلاء الأعضاء خارج الشرعية لأنهم تم انتخابهم طبقا لصلاحيات مختلفة ودستور تم تغييره خاصة إذا تم إلغاء مجلس الشورى في الدستور الجديد.
ينبغي على كل منا أن يعلم تماما من الذي ينتخبه وماذا ينتظر منه وما هي الصلاحيات التي يملكها وإلا فهو كمن يعطي توكيلا للمحامي لكي ينشئ له عمارة سكنية لمجرد أنه يستطيع مراجعة عقد إنشاء هذه العمارة. رجائي وأملي أن يحاول كل منا أن ينشر المعلومة ويساعد من لا يعلم أن يجد طريقه ليختار من يشاء عن علم بلا تضليل أو جهل.
وإلى أن يستوعب الشعب هذه المسئوليات فعليه أن يشاهد القناة الجديدة المخصصة لمتابعة جلسات البرلمان ويستمع إلى نقاشات تدور في حلقات مفرغة لا تنتهي إلى قرار لأن القرار ليس من سلطات البرلمان. المطالبة بقرار فقط هي من سلطته لاغير.