الاثنين، 29 يوليو 2013

أنفـاق غــزة

على مدى ســـنوات قبل خلع الرئيس الأســبق حســني مبارك والأخبار تتناقل عن عدد كبير من الأنفاق التي تمر إلى قطاع غزة والتي كانت تســتغل لتهريب الســلاح والطعام ومواد الإعاشــة والبنـاء أثناء الحصار الصهيوني للقطاع ثم تغيرت طبيعة الأنفاق وتزايد عددها بشـكل هائل بعد ثورة يناير بســبب الانســحاب الأمني الكامل من ســيناء. بلغ الامر أن بعض الأنفاق بلغ حجما يتســع لمرور ســيارات نقل ثقيل تحمل حاويات بأكملها وبداخل الأنفاق وضعت أجهزة تكييف وخدمات متنوعة كما نمت التجارة عبر الأنفاق بشــكل جنوني وشــكلت اقتصادا هائلا لمجموعات على اتصال بحكومة حماس في غزة وبأطراف عديدة داخل ســيناء.

بعد خلع الرئيس الســابق محمد مرسي قامت القوات المســلحة بعملية موســعة لتدمير الأنفاق وإيقاف تجارة التهريب لخطرها على الأمن القومي وترددت أخبار عن اســتخدام معدات عســكرية ثقيلة لتحقيق هذا الغرض.
أتصور أن الأنفاق يســتحيل إلغاؤها بشــكل كامل ولن تقوم القوات المســلحة بذلك مهما بلغت العملية العســكرية من شــراســة وذلك لعدة أســباب:

1-     من منظور الأمن القومي العام لا يجب أن يكون هناك منافذ تخترق الحدود المصرية بشــكل غير شــرعي ودون رقابة قوات حرس الحدود ولكن من منظور اســتراتيجي آخر يجب الإبقاء على عدد من الأنفاق لضمان دعم قطاع غزة أمنيا بالســماح بتهريب الأطعمة والأدوية والأســلحة بحيث تظل غزة على قدرة عســكرية تكفل قدرة ردع لأي زحف إســرائيلي محتمل في حال قرر الجيش الإســرائيلي اجتياح قطاع غزة مجددا بشــكل كامل. غزة يجب أن تظل عثرة في طريق الهجوم البري الإســرائيلي على الحدود المصرية رغم خطورة تواجد الأنفاق بشــكل غير شــرعي.

2-     من المصلحة المباشــرة لأجهزة المخابرات العامة والحربية أن يبقى ممر ســهل يضمن مرور الأفراد والمعدات المطلوبة لجمع المعلومات ورصد تحركات المجموعات المســلحة في غزة وداخل الأراضي المحتلة والإبقاء على إمكانية التســلل بســهولة إلى الأراضي المحتلة لكافة الأغراض المخابراتية.

3-     التجارة عبر الأنفاق تشــكل اقتصادا هائلا يســتفيد منه مختلف الأطراف على الجانبين فما تردد عن تحقيق مصالح تجارية  لبعض أفراد الشــرطة والجيش وقبائل ســيناء وحكومة حماس وبعض المجموعات الفلســطينية الأخرى وتجار آخرين داخل إســرائيل يفســر إلى حد كبير أســباب اســتمرار تواجد الأنفاق وتزايد عددها بشــكل كبير ولعـل جريمـة قتـل معاون مباحث الهرم خير مثال على تورط بعض الضباط في تجارة الســلاح. تعدد الأطراف المســتفيدين من هذه التجارة واختراق الجهات الرســمية ولو بعدد قليل من الأفراد يتســبب في اســتمرار تجارة الأنفاق.

روابط عن تورط أحد الضباط في تجارة الســلاح:




قد يشــكل هذا الرأي إحباطا وغضبا لمن يرغب في حماية الأمن القومي بإغلاق تام وكامل لجميع الأنفاق والتمســك بأن مرور أي أفراد أو بضائع من أو إلى غزة يكون فقط عبر معبر رفح بشــكل رســمي، إلا أن هناك اعتبارات أخرى تؤخذ في الحســبان  حتى وإن بدت في ظاهرها ضارة. ورغم ذلك فإن الاتجاه الحالي من القوات المســلحة هو إنهاء وجود الأنفاق تماما حتى إشــعار آخر.

ما أشــيع عن تورط بعض قيادات الإخوان المســلمين في تجارة الانفاق لا يغير كثيرا لأن التجارة موجودة ســواء عن طريقهم أو عن طريق غيرهم  أما القضاء على هذا النمو الهائل في تجـارة الأنفاق فيعتمـد بالضرورة على تنمية ســيناء.

بســبب إهمال وتجاهل الرئيس الأســبق مبارك ومن بعده مرسي فإن مواطني ســيناء محرومون من الحضارة بمختلف أشــكالها بل ومن منظومة تملك أراضيهم بشــكل مقنن يحترمهم ويوقف الاتهامـات المتكررة لهم بالعمالة لإســرائيل وتخوينهم دون ســبب. عندما لا يجد شــباب ســيناء تعليما أو وظائف أو تنمية حضارية في مدنهم ويقابلون بالتهميش والتخوين من باقي المصريين فليس هناك مخرج أســهل من اســتثمار الإمكانيات الجغرافية المتاحة لكســب قوت يومهم وتحقيق طموحـاتهم عبر تجارة الأنفاق فضلا عن الانضمام لجماعات متشــددة تمنح الكثير منهم الشــعور بالانتماء والقوة في مواجهة دولة لا تمنحهم اعتبارهم المنشــود.

تنمية ســيناء قوة اســتراتيجية أمنية للوطن وتوســع عمراني وضمان لتوظيف طاقات الشــباب من ســيناء وخارجها في ما يفيد ويســحب البســاط من تحت كل التيارات المتطرفة وضمان لنمو الاقتصاد المصري ككل.

في تصوري أن أنفاق غزة تشــبه ثقبا في أنبوب المياه الذي تغذي منزلك وهذا الثقب يســمح بنمو شــجرة في حديقة جارك ونموها يمنحك ظلا ويمنح جارك الثمار، ولكن لا ينبغي أن يتســع الثقب فيؤثر على مياهك أو أن يتدخل جارك في شــئون حديقتك ومنزلك. الأمر بحاجة إلى تنظيم دون مبالغة تصل إلى العداء فالعدو الأصلي لا ينبغي أن ننســاه وهو الكيان الصهيوني الذي يتحين فرصة للقضاء على الجيران جميعا.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق