الأربعاء، 29 فبراير 2012

مجلس الإحباط

انتهت انتخابات مجلس الشعب وظهر المجلس المنتخب في صورة ضعيفة جدا لا ترقى لتلبية أدنى طموحات المواطن الذي أدلى بصوته لترشيح الأغلبية لتمثله باعتبار أنهم "بتوع ربنا" وتمسكهم بالدين سيردعهم داخليا عن أي تواطؤ أو مصالح دنيئة وسيجعلهم يضعون الحق و رد الحقوق المسلوبة و المنهوبة والضائعة نصب أعينهم وأهم أولوياتهم.
لم يجد أغلب متابعي جلسات مجلس الشعب أيا من طموحاتهم يتحقق بل رأوا نوابا يحاورون ويناورون ويدورون في حلقات مفرغة بعيدا عن صلب أي موضوع ويتطرقون إلى موضوعات تافهة بعيدة كل البعد عن القضايا المحورية كتسليم السلطة والقصاص من المسئولين والضباط والجنود الذي ارتكبوا جرائم ومخالفات في حق الشعب على مدى عشرات السنين عموما وأثناء أيام الثورة وما بعدها خصوصا ونقل الرئيس المخلوع إلى سجن طره والأموال التي نهبها هو وعصابته وهربها إلى الخارج أو أخفاها في حسابات سرية سواء في البنوك المصرية أو في البنك المحصن (العربي الدولي) وغيرها من الموضوعات.
انغمس النواب في نقاشـات حول مشـروعية الأذان في داخل قاعة المجلس وصرخات متشـنجة تتهم مجموعات وشـخصيات سـياسـية بالعمالة لأمريكا واتهامات مرسـلة بالتخوين ونقاشـات حول كيفية توزيع أنابيب البوتوجاز لحل أزمة الغاز الطبيعي دون التطرق للحل ألأصلي للأزمة وهو منع تصدير الغاز إلى اسـرائيل رغم أنها تتفاوض على تصدير فائض الغاز المصري إلى الهند وانشـغل النواب بمعاداة أي معارض للأغلبية سـواء حول موضوعات أسـاسـية كوجود خرطوش من عدمه أو فرعية كأقوال في مسـيرة تطاولت على شـخصية أحد المشـايخ أو منصب المشـير رغم عدم اختصاص البرلمان في مناقشـة بعض هذه الموضوعات من الأسـاس.
تم  إلغاء غرامة الخمسـمائة جنيه الوهمية التي دفعت عددا هائلا من المواطنين إلى التزاحم على صناديق الانتخاب خوفا من الغرامة في ظل أوضاع اقتصادية سـيئة مع أغلب المواطنين حتى من قبل قيام الثورة بسنوات.
رغم كل مظاهر التأمين والسـيطرة على العملية الانتخابية إلا أن التصويت تم في ظل حالة اسـتقطاب حادة مع حشـد إعلامي مكثف من القنوات الدينية نحو تأييد مرشـحي الإخوان المسـلمين (الحرية والعدالة) ومرشـحي السـلفيين (حزب النور) وتم تسـخير منابر المسـاجد بقوة لاسـتغلالها في دعاية انتخابية رخيصة تهين الدور الرئيسـي للمسـاجد وتجعلها أداة إعلامية وفي ظل تراخ هائل من الجهات الأمنية تجاه الدعاية الانتخابية الكثيفة داخل اللجان الانتخابية و أمام طوابير الناخبين سـواء من أفراد يقومون بتوجيه الناخبين نحو رموز الأفراد أو القوائم أو عن طريق الدعاية المطبوعة وأجهزة الكمبيوتر المحمولة التي انتشـرت أمام جميع اللجان للدعاية الغير مباشـرة والمباشـرة.
كل هذه العوامل أدت إلى فقدان المواطن ثقته في العملية الانتخابية برمتها رغم أنها –شـكليا- بعيدة عن التزوير المفضوح الذي شـهدته انتخابات 2010 إلا أنها لم ترق إلى الشـكل الذي روج له و مدح فيه الإعلام.
النتيجة المتوقعة هي انسـحاب نحو 93% من إجمالي الناخبين وإحجامهم عن التصويت في انتخابات مجلس الشـورى ورفضها بنفس أسـلوب رفض انتخاب أغلب مرشـحي فلول الحزب الوطني المنحل الذين لم يكن أحدهم لينجح في انتخابات مجلس الشـعب لولا تحالفهم مع الحرية والعدالة أو النور. نبذ المواطنون هذا المجلس لاعتباره غير ذي قيمة ولا فائدة ولكل الأسـباب السـابقة.
بعد كل الأموال الطائلة التي أنفقت على هذا المجلس يخرج بيان الهيئة العليا للانتخابات لإعلان نتائج انتخابات الشـورى بنسبة تصويت هزيلة ولا أرى أي متابع لهذه النتائج إلا من يتمنى الخلاص منها كمن يريد أن يلقي عن كاهله حملا سخيفا تم فرضه عليه بتكلفة باهظة ومضيعة للوقت والجهد متطلعا إلى اليوم الذي ينتقل فيه إلى مرحلة انتخاب رئيس للجمهورية وإنهاء هذه المرحلة الانتقالية بالغة الطول. ولكي يكتمل مسـلسـل الهزل يقسـم النواب اليمين الدسـتورية وتتكرر الإضافات إلى القسـم "بما لا يخالف شـرع الله" وكأن هذه المجالس البرلمانية تناقش وتوافق على  المحرمات وما ينافي شـرع الله ثم يقوم أحد نواب مجلس الشـورى (من حزب الحرية والعدالة) بترشـيح نفسـه لمنصب رئيس المجلس ولا يتقدم أحد ضده ليتاح له الفوز بالتزكية إلا أنه يصر على إجراء انتخابات واقتراع على اسـم واحد فقط في مشـهد هزلي لا معنى له.
لو أن هناك نظاما انتخابيا يلغي أي انتخابات تقل فيها نسـبة التصويت عن خمس أو سـدس عدد الناخبين لتم إلغاء هذا المجلس لأن الإحجام الشـعبي الهائل عن التصويت هو في حد ذاته إقرار صريح بعدم تقبل الشـعب لا لجدوى مجلس الشـورى ولا لوجوده من الأسـاس.
ردود أفعال متابعي جلسـات مجلس الشـعب في المقاهي شـديدة الوضوح والتعليقات تنم عن إحباط متنام ومتزايد حتى أن بعض المقاهي توقفت عن المتابعة وعادت لعرض قنوات الأغاني ومباريات كرة القدم. ظهر التهكم والسـخرية من سـذاجة وسـطحية طلبات وتعليقات النواب الذين يفترض فيهم السـعي لرفعة هذا الوطن وتقدمه اقتصاديا وتعليميا خاصة عندما انبرى أحد النواب محتجا على منحة تعليمية تهدف إلى جعل تعليم اللغة الانجليزية بدءا من السـنة الثانية الابتدائية بدلا من الرابعة معتبرا ذلك مخططا مقصودا لنشـر الثقافة الغربية وتدمير الهوية العربية ناسـيا أو متناسـيا أن الغالبية السـاحقة من الشـعب تسـعى قدر اسـتطاعتها لتعليم الأطفال اللغات الأجنبية مبكرا لمواكبة التطور العلمي العالمي وأن ديننا الإسـلامي يحض على طلب العلم من المهد إلى اللحد أينما كان ولو في الصين بل ويؤجر المعلم والمتعلم على ذلك.
الصدمة شـديدة الإزعاج كانت عندما توجه أحد النواب في مسـيرة خارج البرلمان وتحدث عن تحديد مسـئولية تدهور الأحوال الراهنة مسـتخدما أحد الأمثال الشـعبية الذي تم تفسـيره مباشـرة على أنه إهانة للمشـير ثم تحدث في أحد البرامج على قناة فضائية مهاجما أحد رموز الدعوة السـلفية فقامت الدنيا في البرلمان ولم تقعد هجوما وانتفض النواب من الحرية والعدالة والنور وكأنه تطاول على أحد الصحابة أو على شـخص النبي عليه الصلاة والسـلام ورغم محاولة النائب تقديم الاعتذار إلا أنهم تكاتفوا بإصرار ليتم تحوله إلى لجنة القيم للنظر في أمر توقيع عقوبة عليه قد تصل إلى رفع الحصانة عنه وفصله من البرلمان.
تناقض هذا التصرف واختلف رد الفعل كليا إزاء نائب آخر تطاول بشـكل صريح ومباشـر على أحد رموز الثورة وألقى اتهامات جسـيمة بالخيانة والعمالة وادعى امتلاكه للمسـتندات المؤيدة لأقواله ولم يغضب أي من هؤلاء النواب الغيورين على الأخلاق التي "لا تخالف شـرع الله" ورفضهم للغيبة والأقوال المرسـلة بل وقاموا بالتصفيق لذلك النائب ومقابلة ادعاءاته بالابتسـامات وعلامات التأييد ، وعندما تقدم عدد من النواب الغير منتمين لهذا التيار الذي أطلق على نفسـه صفة "التيار الإسـلامي" بطلب محاسـبة ذلك النائب عن تطاوله بالألفاظ واتهاماته الصريحة لا الضمنية أسـوة بالمحاسـبة التي تمت للنائب السـابق كان الاسـتنكار ورفض المحاسـبة حتى عندما بلغ الأمر التصويت على إحالة النائب للمحاسـبة عن تلفظه بتلك الادعاءات تكاتفوا جميعا لمنع أي إحقاق للحق وليثبتوا اتجهاههم للكيل بمكيالين تجاه قضية أخلاقية صريحة ضاربين نموذجا صارخا لتناقض تسـميتهم ومبادئهم المعلنة مع حقيقة تصرفاتهم العملية حيال المواقف التي تتطلب مطابقة المظهر مع المخبر. انتهى الاقتراع برفض الإحالة لمكتب المجلس وابتهجوا بل وصافحوا النائب صاحب الادعاءات الحنجورية والتهم العلنية مهنئين إياه بنجاته من أي إجراء قد يتخد ضده ومعلنين دعمهم له ولو على باطل من القول.

أين الشـعارات الرنانة التي طالما تغنى بها هؤلاء النواب من السير على طريق الجنة؟ وأين الالتزام بالشريعة الإسلامية التي تنهى عن الفحش من القول وتعاقب على الغيبة والبهتان في الدنيا والآخرة؟ أين الثبات على كلمة الحق ولو على الأقربين –ناهيك عن الحلفاء السياسيين؟ أين المسميات الجميلة المستمدة من الدين الإسلامي الذي يعطي كل ذي حق حقه ويعامل فيه الناس سواسية في الحقوق؟
هذه التصرفات إساءة للدين وللمنصب ولكل من أعطى صوته لهؤلاء النواب واختارهم لقناعته أنهم سيلتزمون بأخلاق الإسلام وصفاته. هذا التناقض لا يجب أن يوجد في أي امرئ مسلم فما بال تواجده في من أعلن التزامه أكثر من غيره؟  كيف يمكن لشخص يعلن أنه يطهر سريرته ونفسه في كل يوم وكل صلاة من الذنوب والفساد أن يظهر قلبه بكل هذا السواد؟ كيف يخرج كل هذا الغل من أشخاص يتحدثون عن سماحة الإسلام ويتشدقون بأن تطبيق الشريعة بصرامة على جميع المواطنين سواسية بعدل وإنصاف سيحمي المجتمع من الانحرافات بينما هم يناقضون أنفسهم في أول اختبار لتطبيق الجزاء على أفراد منهم؟ وحتى إن افترضنا وجوب مجازاة المخطئ ، فهل تكون بهذه الحدة بينما من تطاول مثله تتم تهنئته بالنجاة من الجزاء؟

يقول تعالى: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا} (الإسراء:53)، وجعل الدعوة بالحسنى، يقول تعالى: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (النحل:125), وأمر بالقول الحسن والعدل في الناس كلهم جميعاً، يقول الله تعالى:وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً (البقرة:83)
يقول  -صلى الله عليه وسلم: "أربعٌ من كنَّ فيه كان منافقاً خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها.. إذا حدث كذب..وإذا وعد أخلف.. وإذا خاصم فجر.. وإذا عاهد غدر"  رواه الشيخان من حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما
           وفي جامع الترمذي من حديث أبي هريرة قال : قال رسـول الله - صلى الله عليه وسـلم : يخرج في آخر الزمان قوم يختلون الدنيا بالدين ، ويلبسـون للناس مسـوك الضأن من اللين ، ألسـنتهم أحلى من السـكر ، وقلوبهم قلوب الذئاب ، يقول الله عز وجل : أبي يغترون ؟ وعلي يجترئون ؟ فبي حلفت ، لأبعثن أولئك فتنة تدع الحليم فيها حيران .
          يقول ابن تيمية: إن العدل واجب في كل أحد، على كل أحد، في كل ظرف، وكل مكان وحال، والظلم محرم من كل أحد، على كل أحد، في كل ظرف، وكل مكان وحال.
اســـتقيموا يرحمكم الله واعدلوا فالله رقيب عليكم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق