الخميس، 22 مارس 2012

الإخوان وخطة الاستمرار في الحكم

       تم إجــراء الانتخابـات البرلمانيــة وحصل الإخوان المســلمون على حوالـي 40% من كراسـي مجلس الشـعب كما شـاركهم حزب النور السـلفي في نسـبة حوالي الربع في المجلس. كان من المتوقع حصول الإخوان على نسـبة كبيرة من المقاعد وتفسـيرات ذلك التوقع عديـدة وعلى رأســها:

1-      الإخوان فصيل سياسي يمارس السياسة منذ عقود والجماعة مبنية أصلا على تكوين هرمي منظم له مجلس تشريعي (مجلس شورى الجماعة) و حكومة أو سلطة تنفيذية (مكتب الإرشاد) ولهم خبرات طويلة جدا في كيفية خوض العملية الانتخابية.

2-      تمويل الإخوان هائل ومتعدد المصادر كتبرعات الأعضاء واستغلال هذه الأموال في دول الخليج في البورصة ومشاريع متنوعة و تبرعات أثرياء الجماعة في  الداخل والخارج مثل خيرت الشاطر ويوسف ندا ومنها أيضا تبرعات قد تفوق كل التوقعات تأتي من أمراء وأثرياء دول الخليج..وجدير بالذكر أن هؤلاء لا يقدمون هذا الدعم مجانا ! قوة التمويل الهائلة تؤدي إلى سيطرة على الإعلام وانتشار كبير وسريع للافتات الانتخابية كما يسهل عملية شراء الأصوات بشكل مباشر أوغير مباشر سواء كان بتقديم خدمات مخفضة الثمن أو تقديم سلع تموينية رخيصة وما إلى ذلك الأمر الذي يؤدي إلى عجز أي فصيل آخر عن المنافسة وفي النهاية يتجه المواطن البسيط إلى من يدعمه في ظل الظروف الاقتصادية السيئة منذ سنوات.

3-      اللعب على وتر التدين عامل مؤثر جدا خاصة عندما تسوء الأحوال الاقتصادية فالمواطن قليل الحيلة يلجأ إلى ربه وعندما يجد في المساجد من يخاطبه من منطلق الدين و يخبره بأنه يريد أن يساعده في أزمته الاقتصادية بأسلوب يرضي الله ويقنعه أن اختياره للإخوان هو نصرة للحق ومساهمة منه في التخلص من العصابة الحاكمة التي لا تتقي الله فيه وإحلالها بجماعة متدينة كفيلة برفع الظلم عنه فإنه يمنحهم صوته لأنهم ببساطة "ناس بتوع ربنا"

4-      على مدى عقود كانت أنشطة الإخوان المسلمين مركزة على أنشطة خيرية ومجتمعية تخدم المواطن البسيط وجمعيات متنوعة تدعم الفقراء والمحتاجين والأرامل والأيتام وغيرها من الأعمال التي تمس الحياة اليومية للغالبية الفقيرة من الشعب. هذه الأنشطة أعطت انطباعا قويا أن الجماعة إن وصلت إلى الحكم فسوف تكون تكرارا للدعم الذي يصل إلى المواطن على نطاق واسع بينما لم يهتم المواطن البسيط بالحركات السياسية الأخرى التي تفتقر إلى الدعم المالي الهائل المتوفر لدى الإخوان كما أن هذه الحركات كانت تناقش أمورا سياسية يتجنبها المواطن أصلا بسبب القمع الأمني الشرس وبسبب انشغاله بالسعي لجمع قوت يومه وبسبب الجهل السياسي والتجهيل المتعمد من النظام السابق الذي حرص على حجب الثقافة السياسية ومنع الممارسة السياسية ليستحوذ تماما على الحكم ويتمكن من استغلال ثروات البلاد كما يحلو له.

5-      خبرة الإخوان الطويلة في عقد الصفقات برزت في مواقف كثيرة منذ عهد الاحتلال الانجليزي والوفد القديم والسادات وحتى في عهد مبارك ومثال ذلك في 2005 عندما صرح المرشد السابق مهدي عاكف بعقد صفقة مع مبارك للفوز بربع مقاعد البرلمان رغم إنكار الجماعة ذلك في البداية وتتضح كل يوم منذ خلع مبارك في صفقة مشبوهة مع المجلس العسكري تشير إليها كل مواقفهم رغم إنكارهم المستمر –كالعادة..

      كل هذه العوامل أدت إلى وصول الإخوان إلى الأغلبية في البرلمان ولكن الوصول إلى قمة الجبل قد يكون سهلا بينما يصعب الاستمرار على هذه القمة إلا إذا توافرت عدة عوامل هامة.

       لكي تكتمل السيطرة على الحكم (التمكين) لا يكفي البرلمان بل يجب الاستحواذ على السلطة التنفيذية (الحكومة) ويجب إخماد أي حركات احتجاجية قد تنشأ عند انتباه أي فصيل معارض أو منافس للإخوان في هذه السيطرة عن طريق السيطرة على النقابات (وهو ما استمر الترتيب لعقود) والمحليات وكرسي الرئاسة والإعلام واتحادات الطلاب.

       الاستمرار في حصد الأغلبية يستلزم الحفاظ بقوة على العوامل التي أدت إلى حصدها وأهم عامل من هذه العوامل هو الدستور الجديد. شكل الدستور يحدد الشكل السياسي للدولة ويؤثر بشكل مباشر وبقوة على مستقبل حصد هذه الأغلبية وقدرتهم على السيطرة على مجريات الأمور بما يضمن استمرارهم في السلطة.

       الدستور الذي يسعى إليه الإخوان بكل قوة و من أول لحظة هو الدستور البرلماني الخالص والذي يهمش تماما دور رئيس الجمهورية ويجعل السلطة الهائلة في إدارة شئون البلاد في يد رئيس الوزراء الذي يشكل الحكومة وتكون هذه الحكومة من الحزب الذي يحصل على الأغلبية البرلمانية أو تكون حكومة ائتلافية من عدد من الأحزاب تشكل في مجموعها أغلبية برلمانية وهذا أحد الأسباب الرئيسية في إعلان الإخوان عدم نيتهم تقديم أي مرشح لرئاسة الجمهورية لأنهم أصلا لا يريدون أن يكون هناك سلطة تذكر لمنصب الرئيس (فلديهم 32 وزير رئيس) وبالتالي لا يهمهم كثيرا من يكون وهو أيضا أحد أهم الأسباب التي أدت إلى خلاف حاد مع د.عبد المنعم ابوالفتوح أدى إلى فصله من الجماعة رغم أنه من فكرهم قلبا وقالبا إلا أنه بترشـحه للرئاسـة يزلزل الشكل الذي تريده الجماعة و يفتت السلطة الكاملة التي يريدون الحصول عليها.

         الاستمرار في السيطرة على الحكم يتطلب عدة أمور تهم الإخوان –ومعهم إلى حد ما السلفيين – أهمها:

-        السيطرة على لجنة إعداد الدستور والتحكم بشكل شبه كامل في معايير اختيار أعضائها بحيث يكون التوجه الفكري لهؤلاء الأعضاء يصب في مصلحة الإخوان من ناحية القبول بدستور برلماني صرف يجعل كل الصلاحيات في يد أعضاء البرلمان ويهمش تماما دور رئيس الجمهورية.

-        الإسراع في إصدار تشريعات وقوانين تمنع أي موجات احتجاجية قد تخرج من الشارع وتجرم أي اعتراضات بنفس الحجج التي كان يستخدمها نظام مبارك القمعي كتعطيل عجلة الإنتاج وإشاعة الفوضى والتخريب وغيرها للانفراد بالرأي وتشكيل الدستور كما يريدون دون فرصة للاعتراض ومقابلة الاعتراضات بالقمع من حبس وغرامات ومثال ذلك قوانين حد الحرابة وتجريم المظاهرات دون إخطار وإعلان بالصحف.

-        الســيطرة الإعلامية عبر القنوات الفضائية الدينية والجرائد التي تصدرها الأحزاب الدينية ومن خلال خطب الجمعـة في المســاجد والدروس الدينيـة لتوجيـه الفكر العــام نحو قبول الدســتور الجديـد وصبغ هذا التوجه بصبغة دينية مع تصوير أي معارض على أنه معارض لتطبيق شرع الله و وصمه بالنفاق أو الكفر أو الإلحاد والاسـتشـهاد بكل الأحاديث النبوية والآيات القرآنية التي تصف سـلوك المنافقين والمشركين والكفار واستغلالها في الخطاب الديني السياسي ليتم الالتباس على عقل المتلقي بحيث تختلط صورة المعارض مع كاره الدين والتدين فيتوقف عن التفكير في ما وراء الخطاب ويلتزم بقبول كل ما يملى عليه ويتم توجيه إرادته.

-        الحرص على تجنب نشر الثقافة السياسية ومهاجمة الأساليب التعليمية الحديثة وقصر المناهج التعليمية على كل ما يتعلق بطاعة ولي الأمر وعلماء الدين واستخدام خطاب مشابه لخطاب السبعينات الذي يعظم العلوم الشرعية ويقلل من أهمية العلوم الدنيوية ويبدأ ذلك بتجنب تعليم اللغة الانجليزية مبكرا حتى يصعب استيعاب الثقافة الغربية وتتجه الأجيال القادمة نحو ما يتم إملاؤه من الحكومة التي تنبثق من البرلمان المسيطر.

-        تصوير النظام الرئاسي باستمرار على أنه هو سبب كل مشاكل البلاد وأنه يؤدي إلى إنتاج فرعون جديد رغم أن النظام الأمريكي -مثلا- رئاسي ولم يحدث قط أن تحكم أي رئيس أمريكي في بلده كفرعون وسبب ذلك ببساطة أن النظام المباركي لم يكن رئاسيا وإنما تم تشويه الدستور في عهده عن طريق ترزية القوانين وتفصيله على مقاسه حتى يتمكن من السيطرة على كل السلطات ثم تبع ذلك تفصيل الدستور للتوريث.

-        تصوير النموذج التركي على أنه خير نموذج يحتذى به وكأنه منزل في القرآن وزعم أنه بداية عودة الخلافة رغم أن الخلافة الإسلامية كانت في بدايتها نظاما رئاسيا يستشير فيه الحاكم الفردي مجلس الشورى الذي يختاره بنفسه ولكن ليس لهم أن يغيروا قرار الخليفة ثم تحول النظام إلى ملكي خالص أي أن النظام البرلماني ليس له أسس ينبغي اتباعها وإنما كل مجتمع يختار ما يتراءى له ويرى أن فيه صلاحه ويقيم حكمه بناء عليه. يتضح ذلك التوجه بقوة عند زيارة أردوغان لمصر واستقباله كأنه الخليفة المنتظر وبمجرد تعليقه على النظام الحاكم ونصحه بالعلمانية هوجم و وصفت تصريحاته بأنها تدخل في الشأن الداخلي لمصر.

-        اختراق ومحاولة السيطرة على النقابات المهنية والعمالية واتحادات الطلاب في الجامعات يشكل خط دفاع أول يمنع أي تكوين لجبهة مضادة لسيطرة الإخوان لأن الحركات الثورية دائما تنطلق من النقابات والجامعات.

-        استمرار السيطرة في النظام البرلماني مستمد من استمرار حصد الأغلبية البرلمانية وذلك يتم تحقيقه باسم الدين وعن طريق الخدمات الاجتماعية والتموينية وهو ما ينطلي على المواطن البسيط والفقير لذلك يجب الحفاظ على جهل المواطن السياسي واستمرار اعتماده على الدعم الذي يصله من الجمعيات الخيرية واحتياجه المستمر لهذا الدعم وأي توجه لتحقيق شفافية حقيقية يمثل تهديدا لأسس السيطرة على الحكم.

يتبقى لتحقيق السيطرة الفعلية على الحكم تحديد كيفية التعامل مع أقوى كيان في الدولة وهو القوات المسلحة بقوتها الاقتصادية والعسكرية والمخابراتية وهي الكيان الذي لا يمكن للإخوان ولا السلفيين اختراقه بل يتم التخطيط لتحقيق شكل من التوازن في السلطة يضمن عدم الصدام مع القوات المسلحة وفي نفس الوقت محاولة الاستحواذ على أكبر قدر ممكن من السلطة من ميراث نظام مبارك وفي هذا الصراع لا يوجد لرأي الشعب قيمة إذا تم تمرير الدستور متضمنا المواد المطلوبة لحماية وضع دستوري مميز للمجلس العسكري واستثماراته و تم تقديمه للشعب على أنه دستور الشريعة الإسلامية والاستقرار والانتقال إلى "مصر الجديدة" وسائر تلك الشعارات المشابهة لشعار "العبور إلى المستقبل"

الدستور الجديد أهم بكثير من سباق انتخابات الرئاسـة و أهم خطوة في مستقبل هذا البلد وهو الذي سيحدد شكل الحكم القادم أو شـكل الثورة القادمة.

هناك تعليقان (2):

  1. تحليلك لواقع ألأحوال رائع , إظهارك لمكامن ألخطر أروع , ما ينقصنا ألأن أن نضع يدنا على ألطريق ألممكن سلوكه بثقافتنا ألحاليه , لنتفادى ألوقوع فى فخ ألجهل وألتخلف .

    ردحذف