الخميس، 26 يناير 2012

الحشد الرائع و تسليم السلطة



تم التحضير بإتقان ليوم 25 يناير 2012 والدعوة للنزول إلى الشارع رغم الحشد الإعلامي المضاد من المجلس العسكري والتخويف المتواصل من إعلام الحرية والعدالة والجرائد المحسوبة على التيار السلفي بدءا من الهجوم لأسابيع على الاشتراكيين الثوريين و شباب 6 ابريل إلى قناع (بانديتا) وقنوات فضائية مسخرة لنشر الشائعات وبث الرعب والخوف في نفوس المواطنين لمنعهم من إبداء أي اعتراض على السياسة الحاكمة ولمنع مناقشة فكرة إسقاط حكم العسكر وتصويره على أنه لإسقاط الدولة.

ظهرت فجأة أوصاف لكائنات مخربة لا عقل لها تريد أن (تحرق مصر) وتمادى الإعلام في وصف مخطط حرق مصر إلى حد هزلي وتداخلت الأوصاف كاشفة جهل المتحدثين والكتاب فأصبح الأناركيون هم الإشتراكيون وأصبحوا ممولين من أمريكا وإسرائيل (؟) وظهر إعلام البط يتحدث –كالعادة- عن المؤامرات الماسونية وعن الخونة والعملاء والمأجورين الذي لا هم لهم إلا تقسيم مصر إلى دويلات وجلب الاحتلال الأجنبي والوصاية الدولية وبلغ الأمر اتهام شخصيات بعينها مع ذكر الأسماء صراحة بل وذكر أرقام تليفونات بعض الشخصيات المعروفة منذ بداية الثورة.

رغم كل هذا الحشد الإعلامي ومحاولات غسيل المخ المتواصلة ومحاولات تشوية صورة كل من ينتقد الغلطات الفادحة التي مر بها النظام الحاكم منذ خلع الطاغية حتى الآن إلا أن الشعب المصري أثبت عمليا أنه لا ينقصه العقل ولا البصيرة وكل ما يحتاجه هو أن تصله المعلومة مبسطة دون حجاب أو تزييف أو تغيير وظهرت كل الفئات التي تمت محاولات تشويهها في مظهر وطني جميل ومن هنا ظهرت أهمية حملات عروض كاذبون التي أوصلت لجماهير المصريين جوانب قليلة من الأحداث المريرة التي مرت بالشباب الذي حاول إبداء اعتراضه على إهمال وتجاهل حقوق الشهداء وألجرحى وأسرهم بل والاعتداء عليهم وإبداء الاحتجاج على الجرائم التي ارتكبت شهرا تلو الآخر في الميادين وأمام ماسبيرو ومجلس الوزراء وتلتها مؤتمرات صحفية وبرامج إعلامية أحادية النظرة ومنحازة إلى الجاني ولا تفعل أكثر من التصريح أن هناك ثمة تحقيقات تجرى وسوف يتم الإعلان عن نتائج تلك التحقيقات في حينها ثم لا يتم الإعلان عن شئ يذكر سوى تضليل إعلامي جديد بصور ومقاطع فيديو لأطفال شوارع أو صور حرائق مزورة ولم يتم حتى اتخاذ أي قرار بشأن إعلامي يعلن عن حريق قبل موعده بساعات وهو لم يبدأ بعد.

أعلن الشعب المصري رفضه لكل هذه الأكاذيب وأعلن أنه أصابه الملل والغضب والإحباط من هذا الأسلوب في إدارة البلاد ونزلت الملايين إلى الشارع ساخطة على إدارة المجلس العسكري للبلاد في مسيرات ضخمة تجاوزت أعدادها كل التوقعات ولم يضاهيها في كثافتها إلا كثافة الحشود في الأيام الأخيرة قبل خلع الطاغية ورغم المحاولات المستميتة لتمييع هذا الحشد وتحويله إلى احتفال "بإنجاز ما" والوعود الكاذبة بحضور مطربين وفرق رقص شعبي بل وطائرات تلقي كوبونات جوائز وما إلى ذلك من محاولات امتصاص الغضب أو تشتيت الإرادة.

ولكن يأتي السؤال الهام والهدف الأخطر وهو كيفية تسليم السلطة و وجهات النظر بخصوص ذلك التسليم.

المجلس العسكري يمثل السلطة المحافظة التي تقاوم التغيير ولا تتمتع بالمرونة ولا الاستجابة للضغوط إلا عندما تتأزم الأمور وتوشك على الانفجار الحقيقي وتحكمه العقلية العسكرية التي تتسم بصفات متعددة ذكرتها في أول مقال ولا يجيد السياسة ولا يحبها من الأساس.
قوى الشارع التي تحركت بأعداد هائلة و أيدها مئات الآلاف من السكان - الذين لم يشاركوهم في المسيرات - بالتشجيع من النوافذ وتقديم المياه والتحية هتفت لإنهاء الحكم العسكري بشكل سريع وفوري.
ظهرت مبادرة قوية لتسليم السلطة التنفيذية والرئاسة إلى مجلس الشعب فورا ولكن جاءت ردود من حزب الأكثرية برفض هذه المبادرة ورفض استلام هذه السلطة بهذا الشكل والتمسك بالجدول الزمني الذي حدده المجلس العسكري برغم كل التصريحات التي صدرت منه والتي نصت صراحة على أن انتخابات الرئاسة أولا ثم كتابة الدستور.
توارت النداءات السابقة التي كانت تطالب بمجلس رئاسي مدني وخفتت حدتها واتضح رفض كثير من الجماهير لذلك الاقتراح.

تبدو أمامنا عدة مشكلات أهمها استجابة المجلس العسكري لهذه المطالبات لأن المجلس سبق له وتعامل مع مثل هذه الاحتجاجات –وإن لم تكن بهذه الضخامة- بتجاهل مستمر ثم باختراق للجموع ثم بتضليل إعلامي وتشويه لصورة الحشود واتهامهم وأخيرا بالعنف الهائل عندما لا تفلح الأساليب السابقة.

تظهر مشكلة أخرى وهي إجماع التوجه وتوحيد الفكرة والاستقرار على أسلوب واحد حتى لا يحدث تفتيت للحشود وانقسام فيما بينهم فمن يطالب بتسليم السلطة لرئيس المحكمة الدستورية العليا أو لمجلس الشعب أو لشخص ينتخبه مجلس الشعب سواء من داخله أو خارجه أو حتى لمجلس رئاسي مدني ، كل هؤلاء ينبغي أن يتوحدوا على أسلوب و وسيلة واحدة لتحقيق الهدف الرئيسي الذي يؤدي إلى تحقيق باقي أهداف الثورة تباعا بعيدا عن الأسلوب العسكري في إدارة الشئون السياسية للبلاد وأول هذه الأهداف طبعا هو القصاص  من قتلة الثوار ومن المفسدين الذي خربوا اقتصاد وصحة الشعب المصري عبر سنوات عجاف طوال وكل جند فرعون الذين عاثوا في الأرض فسادا خلال سنوات حكمه الظالم.

لايمكن لأحد أن يتوقع ردود الفعل التي يمكن أن تصدر خلال الأيام القليلة المقبلة ردا على هذه الحشود خاصة وأنها هذه المرة لا تطالب بتحسين الاقتصاد أو المطالب الاقتصادية فحسب بل إنها تمس أخطر طلب جوهري يمكن أن يذكر في أي دولة ألا وهو تغيير الهيكل الرئيسي الحاكم من عسكري إلى مدني بعد ستة عقود من الحكم العسكري سواء الصريح أو من وراء الستار ولكن الأمر الوحيد المؤكد هو كم الإصرار المدهش والغضب المتراكم عند جماهير المصريين والتي لم تترجم كما كان يرجو البعض إلى أعمال حرق وتخريب بل ظهرت في صورة بديعة من المسيرات السلمية شديدة الطول والمفعمة بعزم منقطع النظير ولكنها متحفزة بقوة تجاه عنف متوقع و متأهبة لرد فعل قمعي شرس ولكن دون أدنى خوف. 

أهم ما يميز هذه الحشود هو توحيد الرؤية والهدف فعندما انحصر هتاف نفس الجماهير في خلع الفرعون تم التخلص منه عندما زحفت الجماهير إلى مقره وحاصرت جميع المنشآت الحيوية دون أدنى اعتداء عليها وللأسف تصوروا أن النظام قد سقط بمجرد سقوط رأس النظام و نقله إلى قصر فاخر في منتجع سياحي تحت الحماية والخدمة المميزة.

أتمنى أن تتوحد الرؤية وأتصور رؤية شخصية لما يمكن أن يحقق حلا وسطا لعله يكون سبيلا للخروج من الأزمة.

إذا وجهت الضغوط نحو المطالبة بإعلان دستوري عاجل يحدد سلطات ومسئوليات رئيس الجمهورية يعقبه فورا فتح باب الترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية لاختيار رئيس مؤقت لمدة عام واحد ويتم اختيار هذا الرئيس المؤقت بعد ستين يوما وتنتقل صلاحيات رئاسة الجمهورية إليه في اليوم التالي لانتخابه و يبتعد المجلس العسكري تماما من تلك اللحظة عن سلطات إدارة البلاد ويعود لممارسة دوره الطبيعي في حماية وتأمين البلاد داخليا وخارجيا ومساعدة الشرطة في التأمين مع الانسحاب التدريجي من هذه المساعدة خلال بضعة أشهر ويكون الجيش في هذه الحالة أحد القوى التي تحقق الأمن والحماية للبلاد وتحت رئاسة الرئيس المؤقت المنتخب.
الإعلان الدستوري سيمنع تجميع الصلاحيات الفرعونية في يد الرئيس المنتخب وبالتالي تمنع تحول هذا الرئيس المؤقت إلى دكتاتور جديد.
هذاالرئيس سيكون دوره الأساسي إدارة البلاد بشكل مدني وتكون فترة رئاسته كافية لإعداد الدستور الجديد ومناقشته مناقشة وافية يتحدد فيها مصير مجلس الشورى وتكون فترة انتقالية بناءة يحاكم فيها الفاسدون ويرد فيها الاعتبار لكل من ظلم وتظهر مصر بمظهر مستقر أمام العالم كله دون حكم عسكري ودون حالة طوارئ ولا محاكمات استثنائية الأمر الذي يؤدي قطعا إلى تدفق السياحة والاستثمارات الأجنبية والعربية وتتوج بانتخاب رئيس جديد في نهاية هذا العام -على أن لا يرشح الرئيس المؤقت نفسه في أول دورة رئاسية - وتكون وبداية حقيقية لعصر ديموقراطي جديد ونهضة شاملة للبلاد وعندئذ فقط يمكن الاحتفال بالثورة احتفالا حقيقيا.

أيا كان الاختيار النهائي الذي تستقر عليه الجماهير وأيا كان رد الفعل من قوى الأكثرية البرلمانية ومن المجلس العسكري نفسه فلا تعارض في الوسيلة إذا توحد الهدف وخلصت النية.

أدعو الله أن يستقر بلدنا الحبيب وأن يتغمد شهداءنا برحمته وأن يلهم أهلهم والمصابين وأهلهم الصبر حتى يقضي الله لهم اليوم الذي يشهدون فيه ثمرة التضحيات ويرد لهم جزءا من جميلهم وينالهم نصيبا في الخير الذي أسهموا في جلبه لمصر.

هناك تعليق واحد:

  1. تمر مصر ألآن بأصعب مرحله ممكن أن تمر بشعب , صراع مصالح على أعلى مستوى , تحالف مصالح على أعلى مستوى , طاقة غضب على أعلى مستوى , وألله وحده أعلم بما ستؤل إليه ألأمور

    ردحذف