الأحد، 29 يناير 2012

موقف الإخوان من الميدان والدولة البرلمانية



على مدى أكثر من أسبوعين استمرت التحضيرات والاستعدادات والدعوات لنزول الشعب بكل أطيافه إلى الميادين بمناسبة مرور عام على الثورة والمطالبة بتحقيق المطالب الأساسية والتي لم يتحقق منها سوى خلع رأس النظام وحبس المعاونين الأساسيين له وإحالتهم إلى المحاكمة والتي تابعتها الجماهير بإحباط وغضب تدريجي متزايد إلى أن بدأت الصورة تتضح  أن عريضة الاتهام والأدلة المقدمة والإجراءات كلها ستفضي إلى احتمال الوصول إلى أحكام براءة أو على أحسن التقديرات أحكام تافهة لا تتناسب إطلاقا مع كم الفساد وحجم الجرائم التي ارتكبت خلال العقود الثلاثة الماضية والتي تفجرت خلال أيام الثورة الأولى.

أعلن البعض عزمهم النزول صراحة على صفحات المواقع الالكترونية واحتفظ البعض الآخر برأيه لحين التنفيذ واجتمعت كل التيارات التي اشتركت في الثورة على النزول للتأكيد على المطالب مجددا والمطالبة بنقل السلطة من المجلس العسكري إلى سلطة مدنية منتخبة سواء من مجلس الشعب أو عن طريق اختيار أعضاء مجلس الشعب.

أعلن الإخوان المسلمين عزمهم النزول إلى ميدان التحرير وميادين المحافظات الرئيسية للاحتفال بمرور عام على الثورة عكس كل ما كانت تتوقعه الجماهير الأمر الذي أثار حفيظة التيارات السياسية وجماهير الشعب الغير منتمية إلى أي تياروالغاضبة بسبب تخبط الإدارة والأسلوب العسكري في إدارة الأزمات الذي أدى إلى وقوع العشرات من الشهداء والمصابين.
رفضت الجماهير إقامة أي منصة سواء حزبية أو خاصة بأي مرشح رئاسي محتمل ورغم ذلك أقام الإخوان منصة عظيمة مجهزة بمكبرات الصوت وأصروا على التمسك بمظاهر الاحتفالية رغم الاعتراضات المتزايدة.

تزايد الاحتقان وظهرت بوادر فرقة حقيقية رغم أن نسبة كبيرة من المتواجدين في الميادين تطالب بتسليم السلطة لمجلس الشعب الذي حاز فيه الإخوان الأغلبية مما يعني أن الشعب وضع الثقة في الإخوان لإدارة المرحلة الانتقالية ولكن ليس معنى هذه الثقة أن يتحول اليوم الذي يحمل ذكرى استشهاد نحو ألف من أبناء هذا الوطن إلى احتفال وأناشيد وما يسمى بالإنجاز فلم يحدث أي إنجاز حقيقي سوى للإخوان بأن تمكنوا من الترشح بحرية في الانتخابات والفوز بالأغلبية ورغم أن هذا ليس أمرا مكروها رغم كل ما شاب العملية الانتخابية من مخالفات صارخة إلا أنه لم يكن أصلا من أهداف الثورة التي أخرجت هذا الشعب غاضبا منذ عام.
منعا للاحتكاك في التحرير أقامت حركة شباب 6 ابريل منصة مقابلة لترديد الهتافات التي أعلنتها كل المسيرات. نفس الهتافات تكررت في كل المدن والمسيرات التي توجهت لجميع ميادين التحرير في أنحاء البلاد وعلى رأسها المطالبة بإسقاط حكم العسكر ومعها باقي مطالب الثورة الأصلية.

أصر الإخوان على التمسك بنفس الموقف والرد على الهتافات المنتقدة التي اتخذت شيئا فشيئا الشكل العدائي برفع صوت السماعات إلى أقصاه بالقرآن الكريم الأمر الذي استفز الجماهير أكثر وأكثر حتى بلغ الأمر رفع الأحذية أمام منصة الإخوان عندما هتفت بأن الجيش والشعب يد واحدة لأن أصواتهم واحتجاجاتهم لم تصل إلى المنصة بسبب الارتفاع المزعج للصوت فكان الرد باحتجاج مرئي بدلا من الهتافات المضادة.

فقد بعض الشباب أعصابهم وقاموا بسب شباب الإخوان الذين أقاموا درعا بشريا حول منصتهم وتزايدت الشتائم ونبرة التخوين بعنف. التزم شباب الإخوان بالصمت وعدم الرد على هذه الشتائم بشتائم مقابلة أو بالعنف لمدة طويلة –وهذا يحسب لهم- ولكنهم استمروا في نفس أسلوب الاستفزاز الغير مبرر في الهتافات ورفع صوت القرآن.

حدث موقف بغيض من أحد الأشخاص بأن ألقى زجاجة بها بول على منصة الإخوان ولكن لم يصل الأمر إلى الاشتباك إلا بعد فترة طويلة وكان عند شارع محمد محمود ولم يستمر إلا لدقائق تمالك بعدها جميع الأطراف أعصابهم وبدأت محاولات من عدة أطراف لتهدئة الأمور خاصة وأن الجماهير لم تنزل لتعادي الإخوان أساسا بل للمطالبة بتسليم السلطة من المجلس العسكري إلى سلطة مدنية منتخبة.
مر اليوم بسلام رغم كل الاحتقان لإدراك الغالبية العظمى من الجماهير أن التفرق يفسد الهدف الأساسي وتجنبهم العنف ولتماسك شباب الإخوان أيضا مع أنهم استمروا في الهتافات الاستفزازية وكذلك مرت الأيام التالية.

ينبغي أن نتذكر أن ما أشعل أزمة بين الشرطة وأفراد الألتراس في أحد المباريات كان أيضا إلقاء البول على الجنود وهو نفس الموقف الذي ادعته قيادات الشرطة يومئذ وقد يكون أحد المندسين الذي يحاول زرع الفتن بهذا التصرف الحقير

والسؤال الآن ... ما تفسير هذا التصرف الغريب من الإخوان؟ وما الداعي لكل هذا التمسك بالمجلس العسكري رغم كراهيتهم المعروفة للحكم العسكري ؟

يجب أن نراجع بعض المواقف للإخوان من الثورة وما بعد خلع الطاغية وبعض الحقائق لنحاول الوقوف على تفسير هذا الموقف.

الإخوان فصيل سياسي هدفه –كأي فصيل سياسي آخر- الوصول للسلطة والسيطرة على الحكم.

الإخوان أكثر الفصائل تنظيما ويرجع ذلك للخبرة الطويلة والدعم المادي الكبير من تبرعات الأعضاء ومن الخارج.

الإخوان من الفصائل التي تضررت بشدة من النظام الأمني الشرس وخاصة خلال فترة وزارة حبيب العادلي وأسلوبه القاسي من اعتقالات وتعذيب ممنهج.

الإخوان أكثر الفصائل تعاملا مع نظام المخلوع رغم إنكارهم لذلك فلم يحدث أن حصل أي فصيل سياسي على هذا الكم من التمثيل في البرلمان في عام 2005 تحت مسمى "المستقلين" رغم أن النظام كان بإمكانه تحجيم بل ومحو فرصهم في الفوز بتلك الانتخابات.

شباب الإخوان صمدوا وأثبتوا وجودهم في موقعة الجمل (ولم يكونوا وحدهم طبعا بل كانت معهم جميع أطياف الشعب)ومنهم من رفض تعليمات مكتب الإرشاد ونزل بداية من 25 يناير 2011 ولم تعلن قيادات الإخوان النزول إلا صباح جمعة الغضب وكان بصفة فردية وكان بصفة رسمية كاملة صباح موقعة الجمل.

الإخوان ليسوا فصيلا خائنا بل على العكس كلهم وطنيون ولكن أهدافهم الرئيسية ليست نفسها الأهداف التي أخرجت الشعب كله في ثورته.

الإخوان أول فصيل سياسي قبل الجلوس مع عمر سليمان حين كان نائبا للمخلوع وعندما وجدوا أن اللقاء لن يحقق لهم المصلحة المرجوة أنكروا أنهم تقبلوا هذا الاجتماع إلا من منطلق معرفة كيف يفكر العدو والاستماع إليه رغم ما تردد لاحقا أنهم أجروا لقاءا آخر في نفس المساء مع عمر سليمان وأن منهم من سافر فورا إلى واشنطن لدراسة المرحلة الحرجة في ذلك الوقت مع الإدارة الأمريكية.

الإخوان تخلوا عن جميع محاولات الحشد بدءا من جمعة 8 يوليو وهاجموها واعتبروها جمعة الوقيعة  وقاموا بحشد كبير من المحافظات يوم 29 يوليو وكأنه استعراض قوة وإعلان تواجد مكثف لكن دون المطالبة بأي من مطالب الثورة أصلا وانحصرت المطالبة في مطلب رئيسي وهو الحفاظ على الهوية الإسلامية للدولة رغم أن هذا الأمر لم يكن موضع نقاش أصلا.

الإخوان رفضوا النزول لمساندة الاعتصامات والمظاهرات التي صاحبتها أحداث محمد محمود و مجلس الوزراء وقدموا مبررات كثيرة لعدم النزول لا أعتقد أنها أقنعت غير أعضاء الإخوان أو المتعاطفين معهم.

لا توجد ديموقراطية داخل الهيكل التنظيمي للإخوان بشكل حقيقي والقرارات تكون بين مكتب الإرشاد ومجلس شورى الجماعة وآراء شباب الإخوان ليس لها وزن حقيقي إذا تعارضت مع خط السير الرئيسي للجماعة أو إذا كانت تتضمن أي قدح أو انتقاد لأفراد مكتب الإرشاد أو الشورى سواء لشخصه أو لمواقفه.

إذن ما السبب في التعارض الكبير بين قرارات الجماعة وبين الجماهير التي تطالب بإصلاحات أو بتسليم سلطة أو غيرهما من مطالب ثورية صرفة؟

يتضح شيئا فشيئا أن السبب الرئيسي هو أن الجماعة ترى أنها ينبغي أن تسيطر على السلطة بشكل كامل لكي تتمكن من تغيير مسار البلاد إلى ما يرونه أفضل و أصلح وهذه السيطرة لن تكون عن طريق الحصول على الأغلبية البرلمانية وإنما عن طريق السيطرة على الوزارة والتحكم تماما في موارد الدولة –وليس هذا عيبا إن صلحت النوايا ولكنه صراع حقيقي على السلطة.

بمعنى أبسط الإخوان يريدون الدولة البرلمانية لأنها النظام الذي يشكل فيه حزب الأغلبية الحكومة وهذا هو السبب الرئيسي لحفاوة الإخوان بزيارة رجب طيب أردوجان الشهيرة وترديد مقولة أن النموذج التركي هو أنسب نموذج لإدارة البلاد وبمجرد إعلانه أن نموذج إدارته يعتمد على العلمانية أظهر الإخوان غضبهم واعتبروه تدخل سافر منه في شئون مصر في حين حاول البعض تبرير مقولته بأن العلمانية مفروضة عليه لأن النظام التركي لايمكن أن يسمح بفوز حزب إسلامي في البرلمان.

الهدف من الدولة البرلمانية هو نفسه السبب الذي جعل الإخوان يعلنون أنهم لن يرشحوا أي من أفراد الجماعة لمنصب رئاسة الجمهورية لأنهم أصلا يريدون أن يكون منصب الرئيس هامشيا وصلاحياته محدودة جدا وتكون الصلاحيات الحقيقية مقسمة عليهم لأنهم يريدون تشكيل الحكومة و توزيع الحقائب الوزارية ليكون هناك نحو ثلاثين رئيسا للدولة الأمر الذي يضمن السلطة لقياداتهم جميعا.

السعي  للدولة البرلمانية  هو الذي جعل الإخوان يهاجمون بشراسة أحد أبرز أعضاء الجماعة وهو الدكتور عبد المنعم ابو الفتوح لأنه قرر الترشح لمنصب رئيس الجمهورية الأمر الذي يهدم المخطط الرئيسي للجماعة حتى بعد أن غير ابوالفتوح توجهه ساعيا لكسب الجماعة بأن صرح أنه يرى النظام الرئاسي البرلماني المختلط هو الأنسب لإدارة البلاد حاليا مما يعني أنه يحتفظ كرئيس للجمهورية بصلاحيات كبيرة وهي الخارجية والدفاع والمخابرات وقد يكون منها الداخلية وفي نفس الوقت يعطي الأغلبية البرلمانية أغلب الحقائب الوزارية وسلطة التصرف في باقي الوزارات الغير سيادية ولكن الإخوان لا أعتقد أنهم سيقبلون بهذا الطرح و سيصرون على النظام البرلماني الصرف وسيسوقون له على اعتبار أنه المنقذ للبلاد وأنه يمنع تكوين فرعون جديد وسيعلنون أن النظام الرئاسي مرفوض لأنه يفسد الرئيس ويحوله إلى دكتاتور.

لا أستطيع أن أفسر هذا التوجه إلا بأنه انتقال من دكتاتورية الفرد إلى دكتاتورية الجماعة مهما كانت الادعاءات أنهم سيشكلون حكما عادلا يرتكز إلى الشريعة فلم أسمع قط عن أن الشريعة تنص على نظام من النظم السياسية وإنما حكم الخلفاء الراشدون بنظام حكم فردي رئاسي معه مجلس شورى (سواء مستشارين أو برلمان) ولا مجال للاستشهاد بنظم حكم برلمانية ناجحة في بلاد أخرى فالثقافة المصرية مازالت ترتكز على حكم فردي وقيادة فردية و تغيير هذه الصورة يتطلب أن تتكون ثقافة سياسية حقيقية عند الغالبية العظمى من جماهير الشعب قبل طرح مثل هذا التغيير.

السعي للدولة البرلمانية –في رأيي- هو السبب الرئيسي في موقف الإخوان من رفض تسلم السلطة الرئاسية من المجلس العسكري فذلك معناه الإقرار ضمنا بوجود رئيس مؤقت يتم انتخابه أي الإقرار بالشكل الرئاسي للدولة حتى لو تم تحديد صلاحياته في إعلان دستوري ومعناه خسارة فرصة هائلة يمكن للإخوان –مع حزب النور- خلالها الاتفاق على تغيير الدستور إلى شكل برلماني بدلا من رئاسي وتسويق الدستور الجديد –كالعادة- على أنه الدستور الإسلامي المستند إلى الشريعة عند طائفة كبيرة من الشعب و على أنه الدستور الذي يخلصنا من المرحلة الانتقالية و يعد خطوة كبيرة إلى الأمام عند طائفة أخرى وهذين الطرحين يستقطبان النزعة الدينية لدى المصريين –ولو حتى ظاهريا- والنزعة للاستقرار لمن أصابه الملل والإحباط وتدهور حاله الاقتصادي ويريد أن يصوت بنعم للدستور ليتخلص من الاضطرابات السياسية والتخلص أيضا من الحكم العسكري تماما كما صوت عدد كبير من المواطنين بنعم في استفتاء التعديلات الدستورية لنفس الأسباب.

لا أرى نموذجا للدولة البرلمانية الناجحة إلا الدول التي فرض عليها هذا النظام فرضا إما للسيطرة العسكرية كما في تركيا وإما لعدم قدرة الشعب على التخلص من الحكم الملكي فقاموا بتحويله إلى ملكية دستورية كما في بريطانيا أو أسبانيا أو السويد والاستثناء البرلماني الوحيد هو في اسرائيل حيث يكون النظام البرلماني أفضل نظام للهروب من أي ضغوط قد تفرض على النظام كأن يتم الدفع إلى مفاوضات مع الجانب الفلسطيني فتقوم الأحزاب الإسرائيلية بافتعال خلافات حزبية يترتب عليها انسحاب حزب رئيسي من الحكومة وبالتبعية إسقاط الحكومة القائمة وإجراء انتخابات لتشكيل حكومة جديدة خلال 60 يوما وبذلك يتم تأجيل المفاوضات لمدة شهرين وتظهر بعدها حكومة جديدة تتنصل من كل المفاوضات والاتفاقات التي أجرتها الحكومة المنحلة وتعود المفاوضات إلى نفطة الصفر مرة أخرى فلا يمكن النظر إلى الحكومة الإسرائيلية على أنها نموذجا برلمانيا ناجحا لأنها مجرد ذريعة للكيان الصهيوني للتهرب من أي مفاوضات أو ضغوط دولية.

لا يجب أن ننسى دور القوات المسلحة فلم أسمع عن قيادة جيش في أي دولة تريد النظام البرلماني وأتوقع رفضا لأي مساع مستقبلية نحو هذا التوجه.

أخيرا إذا حاول من شاء أن يسوق فشل النظام الرئاسي على أنه نظام فرعوني فعليه أن يتذكر أن نظام الحكم في الولايات المتحدة رئاسي قوي ولا يتحول فيه الرئيس إلى فرعون لأنه تحت رقابة المحكمة العليا و قراراته يراقبها القانون والدستور وهذا القانون الأمريكي هو نفسه الذي حاكم نيكسون وأجبره على الاستقالة وهو الذي حاكم بيل كلينتون لمدة سنة تقريبا وأوشك على سحب الثقة منه إلا أنه توجه للشعب الأمريكي بخطاب "عاطفي" بكى فيه واعتذر وأنقذه ذلك من خسارة انتخابات الفترة الرئاسية الثانية.

أدعو الله أن يوفق شعبنا للاختيار السليم و يلهمنا الابتعاد عن مساوئ صراعات السلطة وأن كان المقدر لنا أن ننتهي إلى دستور برلماني سواء باختيار الشعب عن وعي أو ظنا أنه من أجل الاستقرار أو لنصرة الدين فلعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ويولي من يصلح إن صلحت النوايا.

هناك تعليق واحد:

  1. تحليلك أصاب ألحقيقه فى معظم جوانبه, أما بخصوص ألإختيار ألشعبى لجماعة ألإخوان فهو محل شك , فقد جرت ألإنتخابات فى جو من ألإستنفار ألطائفى مما حدا بكل طائفه بأن تختار دينها , ألإنتخابات لم تكن أبدا لإنتخاب شخوص كما كان مقرر لها , وهذا مانتج عنه ضعف ألأداء ألبرلمانى , حيث لم تراعى ألمعايير فى إنتخاب شخوصه , وأرجو نشر مدونتك على تويتر على ألأقل , ولك تحياتى

    ردحذف